منذ تولي جلالة الملك حمد مقاليد الأمور عام 1999م، قامت المملكة وفي ظل المشروع الإصلاحي للعاهل المفدى بخطوات رائدة في مجال حقوق الإنسان شهد بها العالم كله. وتبدو هذه المنجزات واضحة على أكثر من مستوى، الأول: القانوني، حيث قامت المملكة بالتصديق على غالبية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الحقوقية، وفي مقدمتها العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، واتفاقيات مناهضة التعذيب والعمل الدولية ومكافحة التمييز العنصري وحقوق الطفل والمرأة وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات. كما جاء الميثاق الوطني والدستور في موادهما متضمنًا كافة الحقوق الإنسانية المعروفة، حيث نصا على المساواة بين جميع المواطنين وحرية التعبير والرأي والصحافة والمرأة وغيرها من الحريات والحقوق. المستوى الثاني، وهو المؤسسي، حيث أنشأت البحرين العديد من اللجان والمؤسسات الحقوقية، ومنها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي أنشئت وفقًا لمبادئ باريس العالمية، ولجنة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية والأمانة العامة للتظلمات ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين ووحدة التحقيق الخاصة، كما تم تشكيل لجنتي حقوق الإنسان في مجلسي النواب والشورى، وسمحت البحرين بتأسيس جمعيات تعنى بحقوق الإنسان وقد ازداد عددها ودورها منها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وجمعية مراقبة حقوق الإنسان وجمعية كرامة وغيرها.. المستوى الثالث، ويتمثل في مجال ممارسة العمل السياسي، حيث صدر القانون رقم 24 لسنة 2002 بشأن الجمعيات السياسية، والذي جاء في مادته الأولى للمواطنين رجالاً ونساءً حق تكوين الجمعيات السياسية، ولكل منهم الحق في الانضمام لأي منها، وقد تم تشكيل أكثر من 20 جمعية سياسية تمارس عملها بدون معوقات، هذا فضلا عن ممارسة حقي الانتخاب والترشح بشكل منتظم خلال الانتخابات التي شهدتها المملكة طوال العقد ونصف الماضيين، والذي لم يقتصر على العمل العام فحسب، وإنما امتد للعمل النقابي والأهلي أيضا. ويعكس هذا السجل الحافل والمشرف للمملكة عدة حقائق جوهرية، منها: أن الحريات بمفهومها الواسع مكفولة بنصوص الدستور والميثاق الوطني والقانون والممارسة على الأرض، وانطلاقًا من ذلك، تم توفير العديد من الآليات والقنوات الشرعية للتعبير السلمي عن الحريات والحقوق، وأبرزها حرية الرأي كحرية الصحافة والإعلام والسماح بتنظيم الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والحلقات النقاشية، والتي وصل عددها منذ تولي جلالة الملك حتى 2015 أكثر من 5000 ندوة ومؤتمر ومحاضرة وحلقة نقاشية، أتيح فيها لقوى المجتمع المختلفة التعبير عن نفسها والإدلاء بآرائها. كما تكفل المملكة الحق في التجمع السلمي بموجب القانون الذي ينظم إقامة التجمعات والمسيرات، ولا تتدخل قوات الأمن إلا لفض الفعاليات غير المرخصة أو تلك التي تخرج عن نطاق السلمية وتضر بالمنشآت والممتلكات العامة والخاصة، ويكفي الإشارة إلى أن المملكة سمحت بتنظيم نحو 1589 اعتصامًا ومسيرة منذ عام 2001، منها 355 خلال عامي 2012 و2013. وخطت البحرين خطوات متقدمة في التثبت من عدم وجود ممارسات غير مسؤولة أو ممنهجة، وقامت الأجهزة بتثبيت كاميرات في أقسام الشرطة وإقامة الدورات التدريبية للمعنيين، وأتاحت آليات التظلم والشكوى لوحدة التحقيق الخاصة التي تمارس عملها باستقلالية وحيادية، وهو أمر محل إشادة التقارير والمنظمات الحقوقية التي اطلعت على عملها. ويبرز هنا كذلك الالتزام البحريني بتنفيذ أكثر من 95% من توصيات لجنة تقصي الحقائق، وهذا ليس بغريب فقد شكل جلالة الملك هذه اللجنة وأعطاها جميع الصلاحيات وتعهد بتنفيذ جميع التوصيات الصادرة عنها، وللعلم فإن باقي التوصيات يتم العمل على تنفيذها حيث تحتاج لمدى زمني طويل نسبيًا، والأمر نفسه ينطبق على توصيات مجلس حقوق الإنسان، وشرحت المملكة بالدليل والبرهان في تقاريرها المرفوعة إلى المجلس تنفيذها لهذه التوصيات بالرغم من أنها طوعية كدليل على التزام المملكة بتطوير سجلها الحقوقي. ولا شك أن دعم القيادة السياسية للحوار الوطني من أبرز البراهين التي تؤكد إصرار المملكة وعزمها على إزالة أية عقبات في سبيل البناء والتنمية، فمنذ تولي جلالة الملك أمانة المسؤولية لم ينقطع الحوار أبدًا وشهدت البحرين بعد عام 2011 أكثر من جولة حوار كان يدعو لها جلالة الملك المفدى بالرغم من محاولات تعطيلها. واستُكملت جميع جولات الحوار الوطني، ونجح في الخروج بتوافقات عديدة، وتم تنفيذ المرئيات المنبثقة عنه بتوجيهات من جلالة الملك المفدى، وأعلنت مملكة البحرين للعالم العام الماضي نجاح الحوار الوطني في جميع مراحله، كما أكدت أن الحوار متواصل دائمًا ولن يستثنى منه أحد. وختاما.. فإن البحرين كغيرها من الدول التي تعطي أولوية قصوى لحماية مقومات قوتها ومنجزاتها، وبالتالي لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أية محاولة للمساس بأمن الوطن والمواطنين والمقيمين، وهو ما تقوم به دوما، وستظل تقوم به لتأكيد حقوق الناس في العيش في أمان واستقرار.