×
محافظة المنطقة الشرقية

77 قتيلا في حادث خروج قطار عن سكته في اسبانيا

صورة الخبر

برلين: اعتدال سلامة من الأمور التي تتميز بها ألمانيا فيما يتعلق بالاستشراق، أنها، وبعكس بريطانيا وفرنسا أو إيطاليا، وهي البلدان التي استعمرت الكثير من الدول العربية، تتمتع بسمعة جيدة وصورة غير ممزوجة بالأطماع السياسية، وقد يكون السبب في ذلك أنها لم تكن مستعمرة في العالم العربي. ومن أحد أهم مستشرقيها كارل بروكلمان (1886 - 1956)، وكارل فلرس (1857 - 1909) الذي ألف كتبا حول المخطوطات الشرقية والعربية العامية عند قدماء العرب، وعاش في مصر لفترة تولى فيها الإشراف على المكتبة الخديوية، وماركس مولر (1809 - 1874) ومن إنجازاته أيضا ترجمة الكثير من أعمال الكتاب العرب مثل مجموعة رسائل لابن رشد و«مقنعة السائل» للشاعر والسياسي والفيلسوف من الأندلس لسان الدين الخطيب. فالمستشرقون الألمان جالوا بقاع العالمين العربي والإسلامي طوال عقود من الزمن وحملوا معهم إلى بلادهم حضارات وثقافات نشروها من دون خلفية سياسية، مما ساعد بعد ذلك في تعميق العلاقات العربية الإسلامية - الألمانية، وتجسد ذلك في إنشاء الكثير من الجمعيات المهتمة بالاستشراق، منها وأولها الجمعية الشرقية الألمانية التي تأسست عام 1884 في مدينة لايبزيج للعناية بدراسة الشرق. وشجعت النتائج الجيدة التي أعطتها هذه الجمعية القائمين عليها على إصدار مجلة، وأشرف عليها يومها المستشرق هانيريش فلايشر، إضافة إلى فهرست الكثير من المخطوطات الشرقية المخزنة حاليا في خزانة بلدية درسدن. ورغم مرور السنوات وحدوث تغييرات في الاهتمامات الألمانية، فإن ذلك لم يؤثر على اهتمامها بالاستشراق والعالمين العربي والإسلامي، ويتجسد هذا في غنى محتويات كليات ومعاهد الاستشراق والعلوم الإسلامية، حيث تم جلب الآلاف من المخطوطات والوثائق القيمة التي تحولت مع الوقت إلى مراجع لطلاب الجامعات والمهتمين، منها أصلية أو منسوخة، مثل الوثائق والمخطوطات الموجودة حاليا في المكتبة الحكومية (شتات بيبليوتيك) في العاصمة برلين التي تأسست عام 1661 على يد فريدرش فيلهم فون براندنبورغ وكانت ملكه الخاص، وجمعت فيها مخطوطات كثيرة إلى أن انتقلت ملكيتها إلى الحكومة البروسية. وحسب قول إحدى المسؤولات في المكتبة الحكومية، فما تحويه المكتبة حاليا هو بمثابة كنز ضخم جدا وتلعب دورا مهما في البحوث في مجالي العلوم الإسلامية والاستشراق بعد أن تحول جزء كبير منها إلى مكتبة إلكترونية يمكن الدخول عليها عبر الإنترنت. وفي المكتبة العامة، كتب كتبت بنحو 140 لغة و70 نوعا من الخط من آسيا وأفريقيا وأوروبا، من بينها أكثر من 15 ألف مخطوطة عربية، والآلاف من الوثائق والنسخ يعود أصلها إلى أزمان مختلفة، منها صفحات لأول نسخ للقرآن الكريم كتبت بالخط الكوفي، ومخطوطات مزخرفة نادرة، ومخطوطات عن تنوع الإنتاج الأدبي في العالم العربي على مدى القرون. لذا، فإن هذا الكم من المخطوطات والوثائق وبعضها نادر، يشد اهتمام الباحثين في العلوم الإسلامية والاستشراق إليها من الولايات المتحدة الأميركية وكندا واليابان وأوروبا، أيضا بعض الباحثين العرب عندما لا يجدون مراجع مهمة لأعمالهم في بلادهم، خاصة بعد أن وضعت الإدارة تحت التصرف مخطوطات كانت أسيرة الخزائن لسنوات طويلة، مما يمكن من الغوص في عمق فترات كثيرة من الزمن قد تعود إلى ما بعد الإسلام بوقت قصير. بدأ العمل رسميا في القسم الشرقي من المكتبة الحكومية ببرلين عام 1919 بعد أن تأكد أنه يحوي مجموعة كبيرة من أهم المخطوطات والوثائق الموجودة في أوروبا. فعبر آلاف المجلدات ونسخ من صحف ومجلات قديمة جدا، يمكن القول إن هذا الصرح الثقافي يضم مواد أولوية وثانوية عن كل المجالات الثقافية والتاريخية. وما يلفت النظر أيضا وجود مخطوطات أصلية شرقية مكتوبة بخط اليد، لا يمكن تقدير ثمنها، جلبها مستشرقون أو قناصلة من أماكن عملهم منها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا، يمكن الاطلاع عليها اليوم عبر الإنترنت. وتضيف المسؤولة أن الفائدة الكبيرة من هذه الكتالوغات الإلكترونية أنها تساعد أولا على معرفة ما يتوافر في المكتبة من وثائق ومخطوطات ورسومات، ثم إن ذلك يسهل عملية اختيار المواد والمواضيع للمعنيين بالأمر، خاصة لطلاب معاهد الاستشراق والعلوم الإسلامية والباحثين والخبراء. فضلا عن ذلك، فإن عدم وجود توثيق أو شرح لمحتوى أي كتاب أو ملف أو مخطوطة يصعب العثور عليها، لذا فإن الكتالوغات الإلكترونية هذه سهلت العمل بشكل كبير. فهناك مواد ومواضيع مختلفة، إلى جانب علم البلاغة والأحاديث والشعر والمراجع الطبية والقانونية والفلسفة يجب الاستناد إلى مصدر معين من أجل الوصول إليها وإلا فإن البحث عنها يدوم طويلا جدا. كما أن الحاجة إلى التوثيق كبيرة بسبب الخلفية التاريخية المهمة التي تتضمنها الحضارتان العربية والإسلامية وفهم الخصائص القومية لكل بلد. والطرق والسبل التي وصلت عبرها المخطوطات والوثائق والكتب المختلفة من العالمين العربي والإسلامي كثيرة وازدادت في القرن التاسع عشر. إذ كان يصل إلى أمراء ألمان مهتمين بالشرق وعلومه وحضارات الشعوب البعيدة وثائق على شكل هدايا من مستشرقين ألمان مثل بيترمان وشبرغر، وأخرى من دبلوماسيين عملوا في بلدان عربية وإسلامية، إلى أن أصبحت المكتبة عام 1918 ملكا للحكومة البروسية. هذه الهبات الكثيرة والاهتمام الكبير من قبل المسؤولين بالاستشراق والعلوم الإسلامية، جعلا المكتبة اليوم من كبرى المكتبات في ألمانيا، وتحول قسمها الشرقي الذي يضم عشرات الآلاف من المخطوطات القديمة جدا إلى مرجع مهم ومنبع ينهل منه طلاب معاهد الاستشراق والباحثون عن مصادر لبحوثهم أو الهادفون إلى توسيع معارفهم ليس في ألمانيا فقط بل وفي العالم، وهذا كان السبب وراء تحويل إدارة المكتبة في شهر مارس (آذار) من هذا العام الجزء الأكبر من القسم الشرقي إلى مكتبة رقمية بالتعاون مع مركز البحوث في جامعة لايبزيج وذلك عبر تأسيس بنك للبيانات، ويمكن طلب أي معلومة عن طريق الإنترنت، والهدف من ذلك تسهيل الحصول على المعلومات المطلوبة عن أي مخطوطة أو وثيقة في المكتبة مع صور مرفقة بتواريخ وبعض الشروحات المهمة. وعدد الوثائق والمخطوطات في تزايد مستمر، والهدف المستقبلي الذي وضعته الإدارة جعل كامل ما تحتويه المكتبة إلكترونيا. وكانت الإدارة قد أصدرت عام 2010 كتالوغات رقمية لنحو 480 مجلدا، بهدف أرشفة مضمون المكتبة كاملا لتنوع المصادر التي تأتي منها المخطوطات والوثائق. كما أن المكتبة تعد المكان الذي تحفظ فيه مجموعة ما يسمى تورفون البرلينية وتضم 40 ألف مخطوطة صغيرة بخط اليد، جزء منها ملك لأكاديمية برلين براندنبورغ، وجزء لمؤسسة التراث الثقافي البروسي، والكثير من المخطوطات القديمة في متحف الفنون الآسيوية ببرلين. وقيمة ما يضمه القسم الشرقي من وثائق ومخطوطات أصلية، ومنسوخة على يد أساتذة نسخ مسلمين وعرب معروفين في حقبات تاريخية مختلفة أو تلامذتهم، لا يمكن تقديرها بثمن، وضع معظمها لفترة من الزمن في خزائن لأنها اعتبرت كنزا عظيما مع توفير الحرارة المطلوبة من أجل المحافظة عليها من أي عوامل طبيعية تتلفها، وكانت تعرض حسب طلب الراغبين في إجراء بحث، إلا أن بعضها يعرض اليوم في واجهات زجاجية، ومعظمها يمكن الاطلاع عليه بكل سهولة عبر الإنترنت. ويعود تاريخ هذه المخطوطات إلى فترات زمنية مختلفة، جمعت وأحضرت إلى المكتبة أيضا في فترات زمنية متعددة، وهي كبرى المجموعات الموجودة في ألمانيا وفي أوروبا، لكن ليست الأقدم. فالأقدم توجد اليوم في مركز لدراسات علم النحو واللغة العربية وفقهها وآدابها في مدينة ليدن الهولندية. ولقد ساهم في إغناء ألمانيا بهذه الثروة الثقافية العظيمة فيلهلم أمير براندنبورغ عام 1670 وكانت له ميول لجمع المخطوطات الشرقية من كل مصدر ممكن، وأول دفعة مخطوطات ووثائق شرقية مكتوبة باليد جاءت عن طريق هولندا، كتبها علامة مسلمون، أو أعاد كتابتها ناسخون كانوا أيضا أساتذة ولهم علاقة يومذاك بمدينة ليدن الهولندية. وليست هناك معلومات أكيدة عن الكميات الأخرى التي وصلت إلى المكتبة طوال القرن الـ18 بعد تأسيس الجمعية الشرقية الألمانية، لكن أوائل القرن التاسع عشر وصلت أكبر دفعة من المخطوطات، ساهم في إرسالها أو أحضر معه قسما منها الدبلوماسي الألماني هاينريش فردريش فون ديتس وكان قنصلا بروسيا في مدينة القسطنطيني،ة وجدت مكانا لها في المكتبة الحكومية التي كانت تسمى يومها المكتبة الملكية بعد ذلك المكتبة الأميرية. وكان فيتشايد عام 1860 القنصل البروسي في دمشق وراء إرسال المجموعة الكاملة من القصص الشعبية العربية مثل سيرة بني هلال وسيرة عنتر،ة نسخ بعضها من الطبعات الأصلية، ويبلغ عمرها أكثر من 200 سنة. ويعتقد أن ما أرسل أيضا من مخطوطات باليد كان جزء منها في الجامع الأموي بدمشق ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الثامن عشر، وهي بعدة أنواع من الخطوط العربية تعرض فقط ضمن الكتالوغات الإلكترونية، فالبعض منها لم يعد سوى أجزاء من الورق الذي كتبت عليه وتتحدث عن مختلف مجالات الحياة. والمخطوطات العربية والشرقية كانت موضع اهتمام فريدرش فيلهلم الرابع (1855 - 1861)، فهو مول دراساتها وشراء كميات كبيرة منها. إلا أن الشخص الذي أرشف الجزء الأكبر منها هو المستشرق الألماني فيلهلم ألبرت، فالفضل يعود إليه في إصدار عشرة مجلدات ما بين عامي 1887 و1899، شكلت أول نواة لأرشفة المخطوطات ووضعها ضمن كتالوغات مسجلة. وما يعتبر أيضا كنزا ثمينا، هي المجموعات التي أحضرت في القرن الـ19، من بينها مجموعة المستشرق غلازر وجمعها ضمن رحلاتها إلى اليمن، أيضا مجموعة الغراف لندمبيرغ وهو أستاذ في علم اللغات والشعوب البدائية وعمل بشكل أساسي في سوريا، مما رفع عدد المخطوطات إلى 6500 مخطوطة، ويوجد بضع مئات من المخطوطات مجهولة المصدر أحضرت من شمال أفريقيا ومن مصر وتعود إلى عهد المماليك ومن تركيا. علاوة على ذلك، توجد في المجموعات مخطوطات مصغرة فارسية ومن ولاية كشمير تعود إلى القرن الـ18، وضعت في أطر، وتتشكل من 50 منمنمة تقريبا مزينة بالورود وبالأزهار مع مجموعة من القصائد كتبت بالخط الفارسي، منها قصائد (ديوان)، وقصيدة تعليمية (مثنوي) لنعمت علي خان (توفي عام 1709م) وكان أحد المقربين من الإمبراطور المغولي أورنغزيب، وله أيضا كتب للطبخ، فهو نفسه كان طباخ الإمبراطور. كما توجد عشرات النسخ بخط اليد لقصص ألف ليلة وليلة، قسمت إلى أكثر من جزء، منها من الليلة الأولى وحتى الليلة 71، وآخر حتى الليلة 171، ومخطوطة «النافورة» وكتبت في سوريا عام 1280، إلا أن كاتبها غير معروف. كذلك مجموعة من الأشعار لكاتب مجهول تعود إلى القرن الـ18 ميلادية، وهي تعليقات على أمثال أبقراط أشهر أطباء اليونان في القرن وعاش في جزيرة كوس عام 460 قبل الميلاد. ومن الكتب النادرة، كتاب بعنوان «في ترتيب مملكة الديار المصرية» وضع في القرن الـ15، ويشير في أحد الهوامش إلى أن أصل ترتيب مملكة الديار المصرية مأخوذ عن ترتيب الخلافة في بغداد وعن ترتيب الفاطميين بمصر وعن الملوك الأيوبيين. كما تحدث الكتاب في فصل كامل عن حلة المماليك وكيف يجب أن تكون أكثر ترتيبا ونوع قماش العمامة وشكلها، وذلك خلال عشرين بابا. إضافة إلى كتاب «ذخيرة إسكندراني»، يتحدث عن الأمير المعتصم بالله وعلاقته بأنطوخيوس تلميذ الإسكندر ذي القرنين. ومن بين المجموعة، كتاب بعنوان «هرمس الهرامسة وهو إدريس النبي» ووضع عام 1876 ميلادية ويتحدث عن الأبراج وحركة النجوم، وبعض الأجزاء من كتاب «الصفة بطرق حقوق المصطفى» لكاتب اسمه إياد ابن موسى اليهذوبي من القرن الـ14، فيه نصوص عن الوسائل السائدة يومها من أجل حل الخلافات الصعبة، إضافة إلى كتاب بخط اليد بعنوان «تعديل العلوم لصدر الشريعة» لكاتب اسمه عبيد الله ابن مسعود الحنفي من عام 1357. كذلك كتب نادرة بخط اليد كتبها مسيحيون عرب منها «القوانين الرسولية والأحكام الدنيوية» ويعود إلى عام 1210 لسمعان ابن يوسف الأحفيني وفيه شروحات عن الأعياد والتواريخ بحسب الطقوس المسيحية. وزود مستشرقون ألمان عاشوا سنوات طويلة في الهند، أمثال شبرنغر، المكتبة الحكومية بمجلدات كثيرة، منها الأحاديث النبوية الشريفة، كما أغنى هذا المستشرق بلاده بقدر كبير من البحوث التي أجريت في الدول العربية، إن في علم البلاغة أو اللغة العربية، إضافة إلى نصوص قانونية بالغة الأهمية خاصة للباحثين في العلوم الإسلامية. والى جانب ذلك، هناك جزء كبير من الأشعار لمجموعة من الشعراء المعروفين كالمتنبي، وتحليل للمعلقات المشهورة لابن خاروف على سبيل المثال. كذلك أعمال شعراء لم يسلط الضوء على أعمالهم فظلوا مجهولين وهناك الكثير منهم. ولقد تم عبر السنين، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، توثيق المخطوطات الشرقية على مدى عقود كثيرة وعلى أيدي أساتذة ألمان مختلفين، وهذا يظهر في اختلاف الطرق التي اتبعت، لكنها اليوم سهلة المنال بعد أن أعيد تنظيم بعضها وأرشفتها إلكترونيا، لكن بقيت الفترة ما بين عام 1910 و1970 من دون مراجع وغير موثقة، حيث وضعت في هذا الفترة خمسة كتالوغات فقط، أنجرها البروفسور زلهايم فاغنر مع أساتذة آخرين، وخلال فترات متفاوتة تم توثيق المجموعة الموجودة، إضافة إلى الجديد الذي كان يلحق بها. ونشاط المكتبة الحكومية ببرلين لا ينحصر بتقديم معلومات إلى الطلاب والباحثين، بل تقام فيها أنشطة ثقافية دولية مهمة، آخر نشاط أقامته كان ما بين الـ2 والـ5 من شهر يونيو (حزيران) من هذا العام، وهو سلسلة من المحاضرات تحدث فيها خبراء مستشرقون وخبراء مخطوطات عن الخط العربي والشرقي على مدى العصور، كما عرضت 450 منمنمة ورسومات ومخططات ولوحات خط باليد إسلامية تعود إلى القرنين الـ14 و15 ميلاديا، عثر عليها في مناطق تعرف اليوم بإيران وأفغانستان، أرسلت إلى القيصر البروسي هاينريش فريدرش في القرن الـ18 الميلادي.