منذ نشأتها، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة، الهاجس العربي في مقدم أولوياتها، لأنها علمت علم اليقين، أن جذورها العربية هي امتداد لحياتها، وأن وقوفها إلى جانب الأشقاء واجب لا تردد فيه، ومقدم على جميع الحسابات، ولا يخضع للمناورات أو الحسابات السياسية، فالدم العربي واحد، والمصير واحد، والمستقبل واحد. هذه المعاني توارثها أبناء الإمارات جيلاً عن جيل، ورعتها على الدوام قيادة حكيمة رشيدة، تضع الأمور في نصابها، وتنطلق في قراراتها المصيرية من ثوابت راسخة، مستعينة على اتخاذ قراراتها في القضايا المصيرية، بعد توفيق الله عز وجل، بعدة أمور، أبرزها، ثقة الشعب الإماراتي بقيادته وشدة التزامها بأمنه وسلامه ورخائه، ورجاحة الموازنات الإقليمية وحسابات الواقع، والتنبه الشديد لتقلبات الأحداث ومدى تأثيرها في الأمن العربي، وأخيراً، دقّة قراءة المستقبل بمنظور سياسي ناضج، يجيد التنبؤ بمفاجآته، وحسن التعامل مع إرهاصاته، لتخرج القيادة الرشيدة بقرارات حكيمة، تضع مصلحة الشعب والأمة في الموضع الصحيح. هذه الحالة المتوازنة التي تبرز بها الرؤية الحكيمة لقيادة الإمارات، ظهرت أجلى ما يكون في وقوفها الشامخ إلى جانب إخوتنا في اليمن الشقيق، في مقدم قوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، لأنها لم ولن ترضى بأن يكون اليمن لقمة سائغة بيد المليشيات المتمردة على الشرعية، ولن تسمح بأي تهديد لأمن المنطقة، فبادرت إلى رص الصفوف والوقوف في المقدمة والتضحية بدماء أبنائها الطاهرة على ثرى اليمن الشقيق، مسجلة بذلك موقفاً عربياً أصيلاً، ستذكره الأجيال على مرّ الزمان، وستفخر به دولة الإمارات، لأنها حمت حمى العرب. وهنا، لا بد من القول إن مجتمع الإمارات لم يدخل هذا الميدان من العطاء خالي الوفاض من الثوابت الراسخة القادرة على مده على الدوام بالمزيد من الثبات، والكفيلة بصونه من دسائس المتخاذلين، وهم كثر، الذين قد يستغلون تضحيات أبنائنا ليزعزعوا الثقة بخطوة الإمارات الجبارة نحو اليمن الشقيق والأمة العربية، فكان الرد حاسماً، والإجماع مطبقاً بأننا ماضون على هذا النهج لا نتردد، وأبناء الإمارات وقيادته الرشيدة في خندق واحد، ولن يسمح شعب الإمارات بأن ينال من رسوخ مواقفه متخاذل. ومعادلة الثقة بين الشعب وقيادة الإمارات، لم تكن مجرد شعارات، بل مزجت بالتضحيات الغالية، وساندها الوقوف المشرّف لشباب الوطن وراء قيادته الرشيدة، والالتفاف الجماهيري الواسع حول موقف دولة الإمارات، لا سيما بعد كوكبة الشهداء الذين ارتقوا على أرض اليمن الشقيق، مقبلين غير مدبرين، ثم بعد ذلك، رباطة جأش أسر الشهداء، الذين أكدوا وهم في مجالس عزاء أبنائهم التي كانوا يسمونها أعراس العز والشرف، أنهم لا يترددون في تقديم أنفسهم وأبنائهم فداء للوطن، وكم سمعنا آباء وإخوة وأبناء للشهداء يقولون بملء الثقة والاعتزاز، كلنا فداء لثرى الإمارات، وتضحياتنا رخيصة أمام عطاء الوطن، بل رفعت رؤوسنا أكثر، حين رأينا المصابين والجرحى في مستشفياتنا، يتمنّون سرعة الشفاء، لا ليعودوا إلى أبنائهم وأهلهم، وإنما ليلحقوا بإخوة السلاح في ساحات المعركة، ليكملوا مسيرة التضحية التي بدأها إخوانهم. ملحمة إماراتية عزيزة، سطر فصولها أبناء الوطن المخلصون وقيادته الوفية، في تماسك الشعب ووحدة الصف وقوة البناء، والثقة المتبادلة الراسخة، فالمصاب الواحد، والبيت المتوحد، ويعضد ذلك المسارعة إلى إثبات الولاء للوطن، والمبادرة إلى لملمة الجراح لمواصلة مسيرة الشرف والعزة، مسيرة إثبات الوجود، وصون الحدود، ونصرة الملهوف، وإغاثة المحتاج، مسيرة العطاء الحقيقي، فليس بعد التضحية بالدماء تضحية.