بقلم : محمد العوفي مكتب مكة سفراء لا أعرف ما دار من نقاشات بين وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل ومسؤولي التعليم ومديري الجامعات وأعضاء هيئة التدريس في تلك الجامعات التي زارها الوزير طيلة الأيام الماضية، لكنني لست متفائلا كثيرا، لأن هذه الزيارات يغلب عليها طابع البروتوكول الرسمي، ويختار لها مديرو الجامعات من يتوافق معهم في الرؤية والتفكير، وبالتالي يكون الحاضر الرئيس والأهم فيها أحاديث المجاملة، والثناء على شخص الوزير وجهده في دعم العملية التعليمية، رغم أن ما يقوم بها الوزير هو وظيفته الأساسية التي تم تعيينه من أجلها. النقاط التي كان من الممكن أن تكون على طاولة لقاءات وزير التعليم مع مديري الجامعات كثيرة، مثل تعديل لائحة التعليم العالي، ومنح البحث العلمي أهمية كبرى في العملية التعليمية، ومناقشة تغيير معايير الترقيات في الجامعات، ومنح النشر في الجامعات العلمية الرصينة والمصنفة عالميا نقاطا مضاعفة في الترقيات..لكنها لم تفتح ولم تدرج في جدول أعمال الاجتماع، ولا أحد يود فتح ذلك الباب مطلقا، لأن ذلك يعارض مصالح الكثيرين، والباحثين عن أسهل الطرق للوصول للأستاذية. الجميع بمن فيهم مديرو الجامعات يعلمون جيدا أن معايير الترقيات في لائحة التعليم العالي كانت سببا في ضعف مستوى البحث العلمي، وفي تسابق أعضاء هيئة التدريس على نشرها في مجلات بعضها لا ترقى أن تسمى مجلة علمية، وأن هذه اللائحة ومعاييرها قتلت طموح كثير من أعضاء هيئة التدريس المتميزين، وأحبطت عزيمتهم، ونقلت لهم عدوى الكسل، والبحث عن الأسهل والأيسر من أجل الترقية فقط. والنشر العلمي في مجلة علمية عالمية مصنفة وفقا لنقاش دار خلال الأسبوع الماضي مع مجموعة من مبتعثي الجامعات السعودية يحتاج بين ستة أشهر إلى سنة ونصف، بين أخذ ورد وتعديلات ونشر، بينما النشر في المجلات التابعة لبعض الجامعات العربية لا يحتاج إلى ربع هذه المدة، ولا يحتاج إلى مستوى عال من الجودة، مقارنة بالمجلات العلمية العالمية التي تسعى للحفاظ على مكانتها. والنتيجة الطبيعية لهذه التباين في مدة النشر والجودة تأخر ترقية عضو هيئة التدريس الذي يبحث عن نشر في جامعات عالمية رصينة، وفي مقابل ترقية أسرع لزميله الذي اتجه للنشر في مجلات عربية يستطيع أن ينشر خلال هذه المدة فيها ما بين بحثين إلى ثلاثة بحوث، لذلك لم أستغرب ضعف مستوى معظم بحوث أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا، وعدم إضافتها للعلم أو المجال الذي تعمل فيه شيئا يذكر، لذا لم تجد طريقا للنشر إلا في مجلات أقل ما يقال عنها إنها متواضعة، إلا من رحم ربي، ويتم تحكيمها من قبل أساتذة في جامعات قد تكون أقل شأنا من جامعاتنا. كل ما أعرفه أن عضو هيئة التدريس في الجامعات يحتاج إلى أربع نقاط، بما يعادل أربعة بحوث منفردة، كي تتم ترقيته للدرجة التي تلي درجته العلمية أو الوظيفية، يتم نشرها في مجلة محكمة دون أن يتم تحديد لغة النشر أو تصنيف المجلة، فمعظم هذه البحوث تتم في مجلات عربية غير مصنفة أصلا. وفي المقابل لا يقبل النشر في مجلات غير مصنفة أو تصنيفها ضعيف في أغراض الترقية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات البريطانية والأمريكية والكندية. وهناك حد أدنى يختلف من جامعة إلى جامعة، ومن كلية إلى كلية، لكنها في مجملها متشابهة، ففي كليات إدارة الأعمال مثلا يتم الاعتماد على تصنيف هارفارد للمجلات العلمية المتخصصة في ذلك. كل ما سبق يؤكد أن لائحة التعليم العالي بحاجة إلى تعديل لتمنح البحث العلمي قيمة أعلى في معايير الترقيات، بحيث يمنح النشر في مجلات علمية مصنفة قيمة أعلى في نقاط المفاضلة، على سبيل المثال: المجلات العلمية المصنفة 3 star تمنح 3 نقاط في معايير الترقيات، والمصنفة بـ 2 Star تمنح نقطتين، وهكذا، فيما يمنح النشر في مجلة عربية ذات قيمة علمية نصف نقطة، وتقل كما انخفض تصنيف وقيمة المجلة. أعتقد أن هذا التعديل إن تم سيغير من قيمة البحوث العلمية وأهميتها، وسينعكس على العملية التعليمية بشقيها العام والعالي إيجابا، لأنه سيلزم عضو هيئة التدريس بمتابعة الجديد في تخصصه والقراءة المستمرة من أجل الكتابة والنشر، وسينتج لنا مجتمعا متميزا علميا واقتصاديا وفكريا ومهنيا، فمن الذي سيعلق الجرس ويتبنى تعديل تلك اللوائح رحمة بنا وبتعليمنا؟