يحكي الكاتب محسن يونس أنه قرأ في طفولته رواية دون كيشوت للروائي الإسباني سرفنتس، واكتشف أن حمار سانشو تابع دون كيخوت يختفي في فصل ما، ثم يظهر بعد ذلك بلا تفسير ولا تبرير، ولم يجد يونس من يستمع لاكتشافه، ولم يكن قد قرأ في طفولته رأي ول ديورانت في قصة الحضارة وهو يصف الرواية بقوله الرواية ليست غاية في البراعة، سلسلة من الأحداث غير المترابطة، تكشفها حكايات مقحمة غير متصلة بالموضوع، خلو من الخطة وبعض خيوط الحبكة متروك عند أطراف مفكوكة أو شديدة التعقيد، مثل ضياع حمار سانشو، وظهوره ثانية دون تعليل، ويقول الجغرافيون إن جغرافية الرواية مستحيلة. لم يتوافر لهذه الرواية محرر أدبي مدقق لذا وقعت المشكلة، ولكن رؤية الكتاب العرب للمحرر الأدبي تكاد تحصره في المراجع اللغوي، مع العلم بأن الغرب يهتم بهذه المهنة، بسبب جدية التعامل مع الأدب، أما أدباء العرب، فأغلبيتهم يتعاملون مع الأدب بروح الهواية، وما نعرفه أن للمحررين الأدبيين روابط مهنية تشبه النقابات، ومواقع إلكترونية تحدد بشكل واضح دورهم ومهمتهم، وتحدد أجوراً كبيرة لهم. يرى الناقد الدكتور سيد ضيف الله - أستاذ الأدب في الجامعة الأمريكية - أن المحرر الأدبي مهنة موجودة في كبريات دور النشر في الغرب؛ وبدأت بعض دور النشر في العالم العربي تستعين ببعض الكتّاب والأكاديميين للقيام بهذا الدور، فالمحرر الأدبي من ضرورات النشر المحترف في الوقت الحاضر؛ لأنه لا يكون مجرد كاتب يدخل تعديلات على هواة، وإنما هو شخصية قادرة على التماهي مع القارئ المستهدف فتكون تعديلاته بعين هذا القارئ واستجابة لحاجاته الجمالية والثقافية. و يرى الروائي الدكتور شريف مليكة أن وظيفة المحرر الأدبي تكمن في مساعدة الكاتب على خروج العمل الإبداعي على أكمل وجه ممكن، ويكون في العادة دارساً للأدب، وصاحب خبرة في تقنية الكتابة، وفي العادة يقوم الناشر باختيار المحرر الأدبي ليراجع النص الذي انتهى منه المؤلف، من حيث البناء، والأسلوب، وطول الجمل، والإيقاع، وليس فقط المراجعة اللغوية. ومن داخل المطبخ يقول الكاتب محمد ربيع: أقوم الآن بالعمل كمحرر في دار التنوير - القاهرة، وذلك بعد ما يقرب من ١٢ سنة من العمل كمهندس مدني، والآن مهمتي تتركز في ضبط ومراجعة وقراءة الأعمال المترجمة، وأعني ضبط الجمل العربية واكتشاف ما قد يكون ركيكاً أو بلا معنى واضح، وهي جمل تتكرر كثيراً في النصوص المترجمة، وقد نجدها أيضاً في النصوص المكتوبة بالعربية. بينما يوضح الناقد د. أحمد الصغير أن المحررين في الغرب يلازمون الكتاب والمبدعين في كل دول العالم المتقدم بل تقوم دور النشر الكبيرة بالإعلان عن وظائف تطلب فيها محرراً أدبياً لديه مؤهلات حقيقية، ليقوم بهذه الوظيفة وتدقيق الكتب وقراءتها قبل الطباعة ومراجعة المبدع فيما كتبه. على العكس من ذلك يرى الشاعر والكاتب عبد الله السمطي أنه حين يبلغ الأديب مرحلة جمالية معينة فهو مسؤول عن نصه تماماً، ومسألة التدخل مرفوضة قطعياً لسبب بسيط يتمثل في أن المحرر خارج النص وخارج التجربة وربما يكون ما يغيره أو يحذفه له قيمة جوهرية دلالية في النص، ومسألة اختيار مكان وزمان النشر ضرورية للمبدع الذي يود أن تظهر نصوصه في المكان الملائم والزمان المناسب، لأنهما يشكلان السياق الذي تقرأ فيه تجاربهم. في الغرب ثمة أصوات تتوافق مع رأي السمطي خصوصا في الشعر، حيث ينظر البعض إلى المحررين الأدبيين على أنهم ليسوا سوى كتَاب فاشلين أو أن التحرير الأدبي أشبه ب مهنة الجزّار على حدّ وصف الكاتب الأمريكي هنري جيمس. مهنة المحرر - كما يشير محمد ربيع - تتفرع لتشمل مهمات أكثر من ذلك، هناك محرر يساعد الكاتب في ترتيب أفكاره وتحويلها إلى مخطوطة، هناك محرر آخر مهمته تطوير المخطوطة بحيث تصبح قابلة للقراءة ومفهومة، هناك بالطبع محرر مهمته التأكد من صحة النص من الناحية النحوية والإملائية، في دور النشر الغربية هناك أكثر من محرر، بينما في العالم العربي نادراً ما نجد واحداً في دار النشر، مهمات المحرر تتطور من خلال العمل، ويبدو أن الخبرة لا تنتقل من محرر لآخر بسهولة، بل على المرء أن يطور نفسه منفرداً في أحيان كثيرة. هل ترحب بالمحرر الأدبي؟ يقول الروائي وحيد الطويلة: أكاد أتخيل أنك لا تستطيع أن تقنع شاعراً بأية وسيلة أن يغير لفظاً في قصيدته، ربما في المسرح وفي القصة والرواية تبدو المسألة أخف وإن كانت لا تخلو من صعوبة، شخصياً أقبل بتغيير ألفاظ كثيرة بل أسعى لذلك وأقبل بحذف جملة إن لم يرقني بديلها مع أن هناك صعوبة أجدها أحياناً في نصوص أكتبها بالصوت أو أتخيل أنني قطعتها من شجرة واحدة، وأحتاج للفظ لا يبدو نتوءاً أو العكس أبحث عن هذا النتوء تحديداً. في نهاية روايتها الشهيرة قواعد العشق الأربعون تقول إليف شافاق: كما أدين لمحرري بول سلوفاك بول لمساهماته الثمينة والعديدة، وحكمته، بالإضافة إلى مقترحاته المفيدة، بينما كان المخطوط يتنقل بين إسطنبول ونيويورك وهو ما نراه في الجزء الثاني من روايتها الأخيرة شرف وهي تقول أتوجه بشكر خاص إلى المحررين المدهشين بول سلوفاك، وفينيشيا بترفلد لما قدماه من ملاحظة معمقة واهتمام دقيق بالتفاصيل.