< ذكرت في المقالة السابقة نقطتين أوردهما الأستاذ علي العنيزان في ملاحظاته على «رواية القرصان» للكاتب القطري عبدالعزيز آل محمود، وأكمل النقاط الأربع الأخرى في هذه المقالة: الثالثة: قول المؤلف بأن الرس بعد المعركة «أصبحت مكاناً غير قابل للسكنى، فقد خرجت الكلاب تنهش الجثث وهبطت العقبان من السماء لتشارك في الوليمة، ولم يترك أي كائن حي في المدينة بعد أن خرج منها جيش إبراهيم باشا» (ص 300، 301). تهويل محبوك لا يمت إلى الحقيقة بصلة، فالحياة استمرت في الرس بعد الصلح ورفع الحصار، وحتى بعد سقوط الدرعية، على رغم ما خلفته المعارك والحصار من الآلام والمعاناة والدماء. الرابعة: من ناحية أخرى، (فقد أخطأ المؤلف في ترتيب الوقائع)، فالرواية توحي بأن حصار الرس وقع بعد سقوط الدرعية، وهذا غير صحيح ويعكس اضطراباً في السرد التأريخي للرواية، والصحيح أن إبراهيم باشا بدأ حصاره للرس في 25-8-1232هـ قادماً من المدينة المنورة، وبعد رفع الحصار في 12-12-1232هـ (وفي بعض المصادر 10-12-1232هـ)، واصل زحفه إلى عنيزة وبريدة وشقراء وضرماء وبقية الحواضر النجدية حتى وصل إلى حدود الدرعية في 13-5-1233هـ وحاصرها، واستمرت المعارك بين الفريقين حتى استسلام الدرعية في 9-11-1233هـ. الخامسة: أن الكابتن جورج سادلير «مبعوث الحاكم البريطاني في مومباي، الذي أورده المؤلف كأحد شخوص الرواية وشاهد عيان على معركة الرس»، وهذا خطأ آخر، إذ كيف يستقيم ذلك مع حقيقة أن سادلير لم يصل إلى الرس إلا بعد انتهاء المعركة والحصار بمدة طويلة، فضلاً عن أن مهمة سادلير مبنية أساساً على الاستفادة من أخبار حملة إبراهيم باشا لإقناعه بالدخول في تحالف مع بريطانيا وسلطان عُمان، للقيام بحملة مشتركة لكسر شوكة القواسم وقراصنة الخليج العربي، وتهنئته على انتصاراته التي توجت باستيلائه على الدرعية. والمعروف أن سادلير قدم من مسقط إلى الدرعية عن طريق القطيف والأحساء بعد سقوط الدرعية، ورافق انسحاب جيوش إبراهيم باشا من الأحساء إلى ينبع مروراً بالقصيم، وهو لم يصل إلى الأحساء إلا في منتصف شهر رمضان 1234هـ، ولم يقابل إبراهيم باشا في الرس كما ورد في الرواية، وإنما في أبيار علي (قرب المدينة المنورة) في النصف الأول من ذي القعدة 1234هـ، الأمر الذي يبرهن أن مرور سادلير بالرس كان بعد انتهاء الحصار بحوالى عامين، ومن ثم فإن ما ذكره سادلير في مذكراته عن معارك إبراهيم باشا ليس إلا رواية لأحداث وقعت قبل قدومه، ومن خلال ما جمعه من أخبار، ومع ذلك فإن سادلير يروي في مذكراته رواية تتناقض مع ما ذهب إليه صاحب «رواية القرصان» من أن الرس احتلت عسكرياً، إذ يقول: «وعندما رأى الباشا أنه عاجز عن إنجاز المهمة اضطر أخيراً إلى الدخول في مفاوضات وإلى رفع الحصار، ولم يسمح لأي جندي من جنوده بالتغلغل في المدينة، بينما تبقى الرس في حالة حياد إلى أن يتقرر مصير عنيزة. وقد قتل في هذه المعركة 900 تركي وجرح 1000، وآلت بهم الأمور إلى محنة شنيعة، أما المحاصرون من سكان الرس فقد فقدوا 50 قتيلاً فقط و70 جريحاً». سادلير: (مذكرات رحلة عبر الجزيرة العربية ص 142- 144) السادسة: تجدر الإشارة إلى أن ما ذكره المؤلف من أن إبراهيم بن عفيصان كان قائد المقاومين في الرس أثناء الحصار، وأنه قتل في المعركة (ص 299 من الرواية)، قول لا يتفق مع الواقع، ذلك أن المصادر التاريخية تؤيد أن إبراهيم بن عفيصان عين من الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد أميراً على عنيزة عام 1225هـ، وبقى فيها حتى وفاته عام 1229هـ، أي قبل حصار إبراهيم باشا للرس بثلاثة أعوام، وعلى العكس من ذلك يجمع معظم المؤرخين الذين تناولوا أحداث تلك الفترة على أن القائد الفعلي للمقاومة كان الشيخ قرناس بن عبدالرحمن القرناس. (محمد العثمان القاضي - روضة الناظرين ج 2 ص 154 – 156). انتهت ملاحظات علي العنيزان، ثم كتب في نهاية ملاحظاته الآتي: «يمكن القول أنه كان على مؤلف الرواية عندما قرر الخوض في تفاصيل تاريخيه وبالأسماء والوقائع والمسميات الصريحة أن يجتهد في الرجوع إلى المصادر المختلفة، التي تغطي أحداث تلك الفترة، وأن يلتزم الموضوعية والأمانة العلمية في تناول الوقائع، بعيداً عن المبالغة والتهويل والإثارة التي أدت إلى تشويه حقائق الأمور، ولأنه لم يفعل كما يبدو فالمنتظر منه استدراك ذلك وتصحيح الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها» في الطبعات المقبلة. abofares1@