تظهر أهمية الحياة الاقتصادية والتجارية للبحر الأحمر وموانئه الجنوبية والشمالية واضحة في العصر المملوكي، فقد شجع المماليك التجارة والسياحة، وأصدروا المراسيم التي تشجع على زيارة بلادهم، وجاء في المرسوم الذي أصدره السلطان المنصور قلاوون ووزعه على البلدان كافة: «فمن وقف على مرسومنا هذا من التُجار المقيمين في اليمن والهند والصين والسند، وغيرهم، فليأخذ الأهبة في الارتحال إليها، والقدوم عليها، ليجد الفعال من المقال أكبر، ويرى إحساناً يقابل في الوفاء بهذه العهود بالأكثر، ويحل منها في بلدة طيبة ورب غفور، وفي سلامة من النفس والمال». وقد أقام المماليك الطرق، وأنشأوا الخانات على طول طرق الاتصال والمواصلات لخدمة حركة التجارة الداخلية والدولية. ووفق الدكتور محمد محمود العناقرة - جامعة اليرموك، فإن تاريخ الحجاز غني بأحداثه التي تحتاج إلى الدراسة ومنها التاريخ الاقتصادي والتجاري، فعلى رغم وجود دراسات تتناول الاقتصاد المملوكي إلا أن هذا الكتاب «الحياة الاقتصادية في الحجاز وعلاقاته في عصر المماليك» (الهيئة المصرية العامة للكتاب) يساعد في الكشف عن الحياة الاقتصادية والتجارية للحجاز وما حولها، وتشمل الفترة الواقعة بين سنتي (648–923هـ/ 1250–1517م) كنطاق زماني لها، حيث بسط سلاطين المماليك نفوذهم على الحجاز وبلاد الشام لضمان تأثيرهم الديني النابع من سيطرتهم على الأماكن المقدسة وخدمتهم لها من طريق تسهيل حركة عبور الحجيج إلى الحجاز. عالج العناقرة أيضاً بعض القضايا، منها: أهمية بلاد الحجاز الاقتصادية باعتبارها حلقة وصل بين الشرق الأقصى والساحل الأفريقي، ومنطقة الشام ومصر وبلاد الرافدين، وأهمية وفود الحجاج إلى مكة والأثر الاقتصادي الذي انعكس على بلاد الحجاز نتيجة التبادل التجاري بين وفود الحجاج والتجار القادمين من الشرق والغرب، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الحجاز والشرق الأقصى، والساحل الشرقي لأفريقيا وبلاد الرافدين والشام ومصر، مع التركيز على المردود الاقتصادي على المواطنين في الحجاز بخاصة، وعلى دولة المماليك عموماً. تناول الفصل الأول الطرق التجارية التي تربط الحجاز بالعالم الخارجي، من طرق بحرية وبرية فهناك طرق بحرية تربطها مع الشرق الأقصى (الصين والهند) من طريق الخليج العربي، وأخرى من طريق البحر الأحمر وتفرعاته، وساعد هذا الطريق على إحياء وازدهار الكثير من المدن والموانئ التجارية على امتداد سواحل البحر الأحمر، منها: عدن وجدة وينبع وعيذاب وقوص وأيلة (العقبة) والطور، وهناك الطريق البحري الذي يربط الحجاز بشرق أفريقيا. وهناك طرق برية ربطت الحجاز بمناطق أخرى داخل الجزيرة العربية وخارجها، منها: عدن والخليج العربي وعُمان والعراق ودمشق ومصر. وتطرق هذا الفصل إلى طرق الحج ومسالكها، كطريق ركب الحاج المصري وطريق ركب الحاج الشامي، وطريق ركب الحاج اليمني، وطريق ركب الحاج العراقي. أما الفصل الثاني، فتناول التجارة الداخلية في الأسواق والسلع في بعض مدن الحجاز منها: سوق مكة، سوق المدينة وسوق الطائف، وما يُعرض في هذه الأسواق من سلع تجارية، ومنتجات الحجاز المحلية، وما يجلب إليها من الأقطار والبلدان الأخرى، وبخاصة في موسم الحج وأهميته وأثره على النشاط الاقتصادي الحجازي، من خلال عمليات البيع والشراء. ثم ذكر مصادر الدخل الأساسية التي تعتمد عليها الحياة الاقتصادية في الحجاز، من: مكوس وتجارة وصدقات وهبات ترسل إلى الحجاز من جميع أنحاء المعمورة. وتناول أيضاً الأوزان والمكاييل والمقاييس والسكة المستخدمة في الحجاز في العمليات التجارية من بيع وشراء. كما أشار إلى الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها الحجاز بسبب الأوبئة والأمراض والقحط والجفاف وعدم انتظام سقوط الأمطار وإرسال الميرة للحجاز، ما أثر على حركة الأسعار وحالتها. أما العلاقات التجارية الخارجية التي تربط الحجاز بالعالم الخارجي، فكانت موضوع الفصل الثالث، وتمثلت بالعلاقات التجارية بين الحجاز والشرق الأقصى، وبين الحجاز واليمن وبلاد عُمان وبين الحجاز وشرق أفريقيا، وبين الحجاز ومصر، وبين الحجاز وبلاد الشام، وبين الحجاز والعراق. ثم تناول تُجار الكارم، وأنواع السفن المستخدمة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وأوقات إبحارها. وناقش الفصل الرابع الزراعة والصناعة في الحجاز، من خلال مصادر المياه، والغطاء النباتي في الحجاز، وأنواع المزروعات والثروة الحيوانية. أما بالنسبة إلى الحرف والصناعات، فقد تحدث عن أبرز الصناعات الشائعة في الحجاز منها: الدباغة والصناعات الجلدية، والتعدين والصناعات المعدنية، والصناعات الغذائية وصناعة المنسوجات، وصناعة العطور، وصناعة البناء والنجارة، وصناعة الحلي والمجوهرات والحرف التقليدية مثل السقاية والحطابة والخرازة، والصيد والدهان والتزويق والوراقة.