×
محافظة المنطقة الشرقية

«الأرصاد»: استمرار العوالق الترابية وتدني الرؤية بالشرقية

صورة الخبر

قبل أيام تلقيت هدية كتاب «عبدالله أبو نهية ـ صفحات من حياته»، رحمه الله، إعداد نجل الراحل، أسامة، الودود الحبيب الجم التهذيب كأبيه. الكتاب ليس مجرد تذكير بشخصية، تركت بصماتها وخلدت إنجازاتها في سجلات إدارة التعليم، ومؤسسة «دار اليوم»، ورحلت، ولكنه، أي الكتاب، «آلة زمن» و«بعد رابع» ينقلنا إلى أيام غريبة عنا ونحن غرباء عنها، بسطوة التحولات المدينية، أيام كان كل معطى حياتي صافياً وشفافاً وطبيعياً، حيث السجايا هي الثروة والنقاء فخر الرجولة وزهوها، قبل أن تختطفنا يد التصنيع و«التصنعات»، ومنمقات الدروس الخصوصية والعلاقات العامة، وقبل أن تصبح محاصصات الحوائط عقيدة وشيم حياة. الكتاب ينقلنا من زمن المناكفات و«المعاهمه» والمنافسات الصغيرة، والفخر بالأشكال والأزياء والسيارات وديكورات الحوائط، وبطاقات الائتمان، وحسابات البنوك، والنميمة، والمكتسبات الصابونية وكل زبد يذهب جفاء، إلى زمن أثمن وأكثر أصالة وفخاراً، زمن عبدالله أبو نهية إذ سجايا الرجال الرجال وبذل ينفع الناس ويمكث في كل أرض وقلب، حيث كان هو ورفاقه وشخوص جيله، قد قاوموا الرياح وبقوا صامدين مثل قامات النخيل، وأعطوا مثل كرائم الغيوم، وأوفوا مثل شموس هطالة الضوء، وسخوا مثل ثرى واحات. إذ هؤلاء الآباء المؤسسون هم النخيل والغيوم والشموس والثرى، وتكوين نعجز أن نطاولهم في القامة أو نزاحمهم في المشارب. فهم كما قال الفرزدق: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع هؤلاء هم الرعيل الذين نأنس بمآثرهم وسيماهم وحتى قلوبهم البيضاء النقية. لم تكن مآثر عبدالله أبو نهية أنه واحد من الرجال الذين كل واحد منهم كان يمثل شموخاً خاصاً وتأثيراً مميزاً في حركة تحول المملكة إلى بلد متقدم وبنية تحتية عصرية، ولكن أيضاً من الذين ساهموا في صياغة العقل الجمعي للمجتمع، إذ كان معلماً مربياً ثم مديراً للتعليم، وتالياً رئيساً لهيئة الرقابة في المنطقة، ثم رئيساً لمجلس إدارة «دار اليوم». وكونه معلماً ومديراً تعليمياً في تلك المرحلة، فإن ذلك وحده كاف لتتويجه شخصية مؤثرة في حركة التنوير وتحرير المجتمع من ظلمات الجهل، وترسيخ المثل التربوية السامية في عقول أجيال. رحم الله أبا أسامة، كان مربياً ومؤدباً ومتأدباً، بهي الوجه وعفيف اللسان، وقد أمد الله بعمره إلى أن أصبح نادراً غريباً في زماننا، وشهد بداية زمن ما كان يدور بخلده أن يشهده، لا يتصالح معه ولا يليق. أذكره.. خفيض الكلام بطيبة القلب، باستماع متأدب ومداخلة كيسة ومجاملة لطيفة، لا تسمع في لسانه لغواً ولا لمزاً ولا تجريحاً أو تعريضاً، كأنما لو كان وحيداً، لا يمت بصلة لصخبنا وضوضائنا، وغضبنا ونفسياتنا الحادة المتأزمة المتحفزة. ويقول الذين تعاملوا معه عن قرب أن غضبه لا يخرج من لسانه ولكن يبدو في تقاطيع وجهه مكظوماً يخفيه تأدباً ويتحمل، كما يليق بكرام، كي لا يجرح الآخرين أو ينفرهم. رحم الله عبدالله أبو نهية ومنحه مغفرة بعدد محبيه وذاكريه والذين جاد لهم بمال سخي أو بكلمة كريمة. وتر يدنو من الأفق.. ويمد يداً بيضاء مخضبة بالثرى.. يجمع في راحته خزامى الوادي البهي.. ومشموم الواحات واصداف السيف.. ورياح الشمال.. وأنفاس غيمة جواد.. ليهيئ مزيجاً عطرياً ينثره في سماواتنا.. ودروب القوافل.. ومرايا الآل..