في بلد مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية، ليس من الإفراط اعتبار انتصار الجيش الحكومي على حركة «23 آذار» (مارس) («أم 23») انتصاراً تاريخياً. ويُنظر الى القوات المسلحة في جمهورية الكونغو الديموقراطية التي تشكلت من «خليط» من فصائل لطالما تقاتلت بين بعضها بعضاً وهي تعاني من انعدام الانضباط وانخفاض الرواتب، وتسودها النزاعات بين القادة، على انها متوحشة وفاسدة وتشكل تهديداً على مواطنيها وخصوصاً على المواطنات، وليس إطلاقاً على انها الحامية المخلصة للأمة. عليه، يتعين القول ان سيناريو الانتصار على قوات «أم 23» كان لا يخطر على بال قبل عام. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، سيطر متمردو «أم 23» التي يقول خبراء الامم المتحدة انها تتلقى الدعم من اوغندا ورواندا، على غوما، العاصمة الاقليمية لمقاطعة شمال كيفو. ولم يكن من خيار امام القوات المسلحة لجمهورية الكونغو بعد هزيمتها غير القتال التراجعي. واستطاع بذلك المتمردون ان يستعرضوا قواتهم في المدينة وأن يرحلوا بعد ان ملأوا جيوبهم وأعادوا شحن مخازنهم بالسلاح والذخائر. الذل هذا الذي لحق سواء بسواء بالقوات الحكومية وبجنود الامم المتحدة المكلفين مساندتها، ترك أثر صدم كهربائية في جمهورية الكونغو الديموقراطية وفي المجتمع الدولي. وسيطرت قيادة جديدة على المؤسسة العسكرية. وتبنى مجلس الامن الدولي في 28 آذار قراراً يتيح نشر «لواء تدخل متخصص» مكلف «فرض السلام» وليس «حفظه» فقط. وأدت هذه القوة الجديدة المؤلفة من ثلاثة آلاف جندي أتوا من جنوب افريقيا وتنزانيا ومالاوي دوراً حاسماً في إلحاق الهزيمة برجال «أم 23». ويقر مسؤول في حركة التمرد فر الى رواندا ان «المروحيات الهجومية الجنوب افريقية تسببت بآلام شديدة لنا في المعارك الأخيرة». في النهاية، أدى عنصر أخير دوراً في هزيمة «أم 23» هو تغير موقف واشنطن من [العاصمة الرواندية] كيغالي. وعلى رغم انها ما زالت حليفة لنظام الرئيس بول كاغامي، فقد مارست الديبلوماسية الاميركية في الأشهر القليلة الماضية ضغوطاً على رواندا لتكف عن مساندة هذه المجموعة المسلحة التي ينتمي أكثرية ضباطها الى جماعة التوتسي الكونغولية. وتقيم اليوم اكثرية القادة السياسيين والعسكريين لحركة «أم 23» لاجئة في اوغندا. والبعض من هؤلاء متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقد يجد نفسه ملاحقاً من المحكمة الجنائية الدولية، على غرار بوسكو نتاغندا وهو من القادة السابقين للحركة وسلّمته حكومة رواندا الى لاهاي في آذار. وبعد هزيمتها العسكرية لم تعد حركة التمرد هذه تمثل خطراً ماثلاً للسلطات الكونغولية. وترفض هذه الاخيرة بعدما شعرت بقوتها إثر نجاحاتها، توقيع اتفاق سلام يريده الديبلوماسيون. ربحت كنشاسا معركة، بيد أن الحرب في كيفو ما زالت بعيدة من نهايتها. وتواصل حوالى اربعين مجموعة مسلحة بث الرعب وتمول نفسها من الثروات المنجمية الهائلة في المنطقة. * صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 15/11/2013، إعداد حسام عيتاني