×
محافظة المنطقة الشرقية

أعضاء «بلدي» النعيرية يتفقدون الأحياء القديمة

صورة الخبر

آباء أحياء.. لكنهم غائبون، من رحل فقد رحل، وعملت أسرهم على التعايش مع واقع الرحيل فتحملت الأم مسؤوليتها لتصبح أما وأبا في آن واحد.. ولكن ماذا عن آباء أحياء تركوا صغارهم وغابوا إما لظروف العمل أو البحث عن الترفيه أو...أو.«عكاظ» استمعت لشكاوى زوجات وأبناء عن غياب الأزواج خارج المنزل، فها هي أم هدى تحكي «لدي أربع إناث وذكر أعمارهم متقاربة، فأكبرهن في الصف الثاني ثانوي وزوجي يعمل خارج المنطقة التي نسكنها ولا يأتي لزيارتنا إلا مرة واحدة في الشهر ليقضي ثلاثة أيام يقسمها بين والديه وإخوته.. صحيح يوفر لنا كل ما نحتاجه ولكن غيابه لا يعوض. أجد إخوتي دوما معي ومع ذلك أصبح العبء ثقيلا علي فبناتي في سن حرجة وابني بدأ يسأل أين والدي لماذا لا يحضر للمدرسة مثل آباء زملائي.. جميعا نشعر بفراغ وحتى عند حضوره لا أجد تلاحما في العلاقة مع أبنائه وكأنه زائر عادي ومهما بررت لهم أشعر بعلامات عدم الرضا في عيونهم وحاولت معه كثيرا بأن ينقل عمله فأخبرني بأنه سيفقد كثيرا من المميزات». السائق المندوب أم ريم تقول إنها أنجبت ابنتين وعندما بلغت الكبرى من العمر عشر سنوات تزوج زوجها بامرأة أخرى وأنجب منها وهجر الأسرة، وأضافت «إنه لا يريد طلاقي من أجل الطفلتين وللأسف لا نراه مطلقا حتى أغراضنا ومصاريفنا يرسلها مع السائق وكلما حدثته وأخبرته بأن ابنتيه تريدان رؤيته يقول لي غدا سأحضر ولا يحضر». تضيف أم ريم «الآن وصل عمر ابنتي الكبري 15 سنة وتحدثت معه وأخبرته بأن لهن حقا في رؤيته مثل أبنائه الآخرين لكن دون استجابة منه فأصبحتا متحفظتين تجاهه وابنتي الصغرى أصبحت تعاني من فقدان الشهية وعجز معها الأطباء بسبب النحافة التي تعاني منها وعرضتها على طبيب نفسي فأخبرني بأنه نوع من الانتقام من الذات لصعوبة وصولها لصاحب المشكلة الحقيقية ورغم معرفة زوجي بكل هذا لم يتغير حاله ولم يشعر بالذنب فلا أعرف أي نوع من الآباء هو». سفر متواصل أم مجد من جهتها تروي قصتها مع الزوج الغائب وتقول «تزوجته وأنا أعلم بأن عمله يتطلب السفر المستمر وكنت أظن بأن الوضع سيتغير بعد أن أنجبنا طفلا وكنا نرافقه في سفره ونستمتع بذلك حتى بلغ ابني الخامسة وألحقته بالروضة فلم نعد نستطيع مرافقة زوجي وبدأ ابني يسأل عن والده وعندما وصل للمرحلة الابتدائية لاحظت عليه رغبته في تحطيم ألعابه وعندما أسأله عن السبب يجيب (هذه من تجعل أبي يتركنا). فتحدثت مع زوجي وأخبرته بأن يخفف من سفره، وتجاوب معي لثلاثة أعوام فتحسنت حالة طفلي وتعلق بوالده إلا أن زوجي بدأ يخسر في عمله فيضطر للسفر باستمرار مرة أخرى فأصيب ابني بحالة أشبه بالعزلة وأصبح يرفض الخروج مع أي أحد أو الذهاب مع أولاد خالته أو خاله أو أعمامه معللا ذلك بأن جميعهم مع آبائهم. ثم اكتشفت بأنه بدأ يدخن وهو في الصف السادس ابتدائي وعندما أخبرت زوجي حملني المسؤولية كاملة وصرخ أنا أسافر وأتحمل العناء لأوفر لكم حياة كريمة وأنتي تفقديني ابني وشكاني لوالدي والجميع حملني المسؤولية». لغة الحوار أم خالد قالت «لا يختلف اثنان على أن غياب الأب له تأثير سلبي على الأبناء والزوجة وأول التأثيرات أنه يجعل فجوة كبيرة بين أفراد الأسرة ولكن أن يكون الأب حاضرا غائبا في الوقت نفسه هذه هي الكارثة فأنا أم لستة أبناء (ثلاثة ذكور وثلاث إناث) بأعمار مختلفة وزوجي جيد ولا يحرمنا من شيء وهو قليل الخروج من المنزل ولكن الوقت الذي يقضيه في المنزل يقسمه بين النوم والتلفزيون والكتب فهو من عشاق القراءة وكلما حضر له أحد من أبنائنا ليحدثه يقول له اذهب لأمك فلغة الحوار معه ومع أبنائه مفقودة وعندما أناقش معه في هذه النقطة يجيب أنا موجود في المنزل فأخبره أن الأبناء بحاجة للتواصل معه وهو بعيد». صد الحوار الأخصائية الاجتماعية نورة حامد تذكر أن من أحرج مراحل حياة الفرد هي الخمس سنوات الأولى حيث يتم تكوين الشخصية فإذا وجد خلل في شخصية الطفل في هذه الفترة ولم يتداركه الأهل فورا بالتصحيح يستمر معه طوال حياته ويسوء مع مرور الأيام. ومن الضروري في حياة الأبناء التواجد في بيئة متكاملة فالأبناء يحتاجون مهما بلغت أعمارهم لآبائهم ومن المهم أيضا إشعارهم بأن الأسرة كتلة واحدة لا يجب أن تتفكك. وإذا تحدثنا عن وجود الأب فلابد أن نعترف بأن وجوده أقوى من وجود الأم لأن الأبناء عادة ما يشعرون بالأمان في وجود الأب وغيابه أو صده عن سماعهم أو البعد عنهم يفقدهم هذا الأمان فهنا يبدأ البحث عن البديل أيا كان نوعه ومن هنا نجد مشكلات الإدمان والتخلف عن الدراسة وغيرها كما أن غياب الأب والزوج طبعا يؤثر على الزوجة من الناحية النفسية حيث يشعرها بأنها غير مرغوب فيها أو أنها لم تعد مناسبة.