×
محافظة المدينة المنورة

أمير المدينة المنورة يشارك في تشييع الشيخ الجربا

صورة الخبر

لماذا لم نعد نشعر بتلك الرغبة في أن نسمع أو نقرأ أحدهم يحدثنا عن مكتبته؟ ما مكوناتها؟ وكيف ومتى جمعها؟ وحكاياته مع كل كتاب، كيف تعرف إليه، وما الكتاب الذي يفضي إلى آخر، أو الكتاب الذي يقود إلى مجموعة من الكتب؟ وماذا عن الكتب التأسيسية؟ والكتب التي تحفر في الذاكرة وتبقى عالقة في الوجدان، والكتب التي نحفظ مقاطع منها، والكتب التي نتذكر غلافها، والكتب التي تتصدر الواجهة وتلك الموضوعة بإهمال في آخر الرفوف، والكتب التي نحجزها لكي نتخلص منها تباعاً... إلخ، عشرات الأنواع من الكتب وما يمكن أن تؤشر إليه وتستثير مشاعرنا وأفكارنا ، كانت تنتابنا ونحن نتطلع في المكتبة أو نستحضر ذكرياتنا معها أو نجلس إلى أحد هؤلاء الشغوفين بالقراءة وجمع الكتب، الآن يخبو هذا الوهج بفعل المكتبة الإلكترونية تلك التي تؤسس ذاكرتها الخاصة والمختلفة تماماً عن كل ما سبق. الآن لا تدعونا الكتب الإلكترونية إلى كتب أخرى، فما نجمعه من كتب مذيل بقوائم من كتب شبيهة ورديفة، فلا حاجة إذاً للقراءة التي تفضي إلى قراءة مكملة، أو إلى سؤال أحدهم وما قد يؤدي إليه ذلك من فتح حوار أو نقاش، ولا يوجد ذلك الكتاب النادر، ولا تستوقفنا أغلفة الكتب، وليس هناك ما يمكن أن نضعه في الواجهة، ولا مجهود يذكر في جمع ما لا نحتاج إليه ويأخذ حيزاً مكانياً، مجرد كبسة زر ونتخلص من الأقل أهمية، ولا حاجة لحفظ مقاطع أو جمل، فكل شيء مصان في الذاكرة المصنوعة، ومهما فعلت التطبيقات المختلفة لتأسيس أشكال جمالية مستنسخة من المكتبات التقليدية لكي نضع فيها كتبنا، فلا يوجد ما يدعو إلى التحديق، فالمكان متناه في الصغر، والصور على الأجهزة اللوحية والمحمولة...الخ بالملايين والأكثر إبهاراً ولفتاً للانتباه لا ينتمي بالتأكيد إلى دائرة الكتاب. لم تعد المكتبة تستدعي قصتها الخاصة كما نقرأ عن تلك المئات من الكتب التي سقطت على الجاحظ فقتلته، لقد عاش صاحب البيان والتبيين محنة خاصة مع المكتبة، في البداية تسببت في جحوظ عينيه، وفي النهاية أدت إلى وفاته، ولم يعد في وسع أحدهم أن يكتب عن الحلم بمكتبة بابل كما فعل بورخيس، ولم يعد في إمكان آخر أن يتحدث عن شاعرية المكتبة مثل ألبرتو مانغويل، فالمكتبة تحتاج إلى أمكنة وأزمنة وشخوص وأساطير حتى تتوافر مكونات وعناصر العمل الأدبي، والأهم من ذلك فالكتاب أو ما يرتبط به من فعل القراءة يحتاج إلى مجهود ودرجة ما من المعاناة حتى يتوافر الطابع الدرامي للقصة، وما كل ما يصدر من كتب وروايات ترتكز على ثيمة المخطوط وتصادفنا بين الحين والآخر ، إلا حنين لاستعادة هذه الدراما على مستوى الخيال ، حيث يبدو أن فصولها انتهت على أرض الواقع.