عملت مع زميل موهوب قبل سنوات، لديه حل لكل مشكلة، علاج لأي أزمة، خبرة وقدرة وكفاءة، أسلوبه مريح وطريقته في التواصل مبهرة وساحرة. عندما تتحدث معه تتسمر أمامه، وتود ألا يتوقف، كشلال هائل ترجو أن يواصل التدفق. كنا نلتئم في مكتبه بمناسبة ومن دون حتى نصغي إلى حديثه، ونستأنس برأيه ونتشاور معه. قاد مشروعا رائعا بذكاء وتميز. غادر موقعه الذي كان يشغله وانتقل إلى مهمة عمل أخرى بعيدة. ليس هذا هو المحزن، المحزن هو أن المكان الذي تركه تحول إلى أشلاء عقب رحيله. بعد أن كان المكان الذي يقوده رمزا للإبداع، صار أيقونة للفوضى والتخبط. اتفق الجميع على أن صاحبنا هو السبب، فهو لم يضع نظاما بعده يكفل استدامة لتميز ونجاح الإدارة بعد غيابه. اعتمد فترة إشرافه على مهاراته وقدراته وإمكاناته الفردية. كان يستخدم مسكنات تسعد وتبهج، بيد أنه سرعان ما يعود الألم. لم تكن هناك حلول دائمة تكفل استمرار العمل على الوتيرة ذاتها في حالة ابتعاده. إنه ليس خطأ زميلي السابق فقط، إنه خطأ يقع فيه أكثرنا وأنا أولهم، سواء في أعمالنا أو في منازلنا. لا نؤسس سياسات وأنظمة تكون قاعدة وأرضية صلبة قوية ومتينة، وإنما نتخذ قرارات لها أثر قصير المدى ووقتي. إدارة صديقي مدرسة تقليدية في الإدارة، برع فيها أساطير مبكرا، أحدهم (جوزيف تيتو) الزعيم اليوغسلافي السابق. فقد كان تيتو الزعيم الكاريزمي الذي قاوم الاحتلال النازي، وتعذب في السجون رمزا وطنيا. فقد كانت المقاومة اليوغسلافية في عهده أكثر الفصائل العسكرية نشاطا في أوروبا. تكونت له شعبية خارج يوغسلافيا أكثر منها داخلها بفضل مواقفه وقدرته على إدارة دولة صعبة المراس. نجح في الحفاظ على التعايش السلمي بين أقليات يوغسلافيا المتناحرة. كانت رحلة كفاحه وصعوده مثلا يحتذى به. لكن بعد وفاته عام 1980 مباشرة تفتتت يوغسلافيا ودخلت في سلسلة حروب أهلية واضطرابات شعبية. لم تتأثر شعبيته كرمز وطني، لكن تأثرت شعبيته كقائد. القيادة الحقيقية هي التي تكفل استقرارا للمنظمة والمنزل بك ومن دونك. ينبغي أن تسير الأمور على ما يرام بحضورك أو انصرافك. اقمعوا (تيتو) الذي يسكنكم واصنعوا أنظمة وسياسات تكفل استدامة نجاح مؤسساتكم ومنازلكم في حياتكم ومماتكم بعد عمر طويل، إن شاء الله.