هذا الكتاب يستحق التوقف أمام أجزاء معينة مما جاء فيه، لدلالة عنوانه وهو: الحرب الكبرى في هذه الأيام: معارك المخابرات المركزية ضد الإرهاب من القاعدة إلى داعش، وأيضاً لمكانة مؤلفه مايكل موريل النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية. والمؤلف أمضى 33 عاماً في الوكالة، ويعتبر من أبرز المختصين في قضايا الأمن القومي الأمريكي، ولعب دوراً حاسماً في معظم عمليات مكافحة الإرهاب خلال العشرين سنة الماضية، وفي وصف لدوره، فهو كان بجانب الرئيس جورج بوش في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، عندما اصطدمت الطائرات التي يقودها إرهابيو القاعدة ببرجي مركز التجارة العالمية، وكان أيضاً داخل غرفة العمليات بالبيت الأبيض، مستشاراً للرئيس أوباما، عند تنفيذ خطة مقتل بن لادن في باكستان، ومتابعاً لهجمات الإرهاب في لندن، والهجوم على البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي بليبيا. الكتاب يخوض بشكل أساسي في طبيعة عمل وكالة المخابرات المركزية، وتقييم ما قامت به من نجاحات أو فشل خلال العقدين الماضيين، وعرض لشخصيات عمل معها عن قرب مثل بوش، وأوباما، ومديري الوكالة، جورج تينيت، وبترايوس، وليون بانيتا، وغيرهم، وأيضا تحليله للتهديدات للأمن القومي، الذي واجهته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، وكيف تعاملت الوكالة معها. غير أن ما يتعلق بعنوان الكتاب، خاصة ما تعنيه جملة الحرب الكبرى في وقتنا هذا، لابد بالضرورة أن تجرنا إلى التهديد الماثل أمامنا والمجسد في انتشارداعش، وما أظهرته من عداء مطلق للمسلمين كافة، من غير المنضمين للتنظيم، وللإنسانية، والحضارة خاصة، وإن هناك تقديرات من مؤلفات أخرى تخوض في جوانب القصور في أداء الوكالة تجاه داعش وبقية منظمات الإرهاب، وهو ما يتجنبه المؤلف بحكم وضعه الكبير في الوكالة. وكانت هذه المؤلفات قد أبرزت فشل وكالة المخابرات المركزية، في توقع صعود وانتشار داعش، وإن ذلك كان من أسباب صعودها. من جانبه قدم موريل في كتابه شرحاً لهذه النقطة، يقول: إن هذا القصور من الوكالة، ليس السبب الوحيد، لأن هناك أسباباً عديدة أخرى وراء انتشار داعش هي: مغادرة الولايات المتحدة للعراق من دون أن تترك هناك قوة تحافظ على استقراره، والسلوك المريب لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتحيزه الواضح ضد السنة، وتجريدهم من حقوقهم الأساسية، وإشعال الحرب في سوريا، بطريقة فتحت ثغرات أمام تدفق الأسلحة على سوريا، والتي استفادت منها داعش بقدر هائل. المؤلف لم يتعرض للبدايات الأولى لتضخم منظمات الإرهاب، بدءاً من القاعدة في أفغانستان في أواخر السبعينات، وهي النقطة التي طرحت ضمن مؤلفات أمريكية كثيرة، والتي وصفت الإرهاب بأنه صناعة أمريكية، لخدمة أهداف أوسع مدى في الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.. ومنها على سبيل المثال ما نشره الكاتب الأمريكي ديفيد ليندروف، وقال: إن الولايات المتحدة كانت تقدم سراً، كميات من الأسلحة إلى شبكة من الجماعات الجهادية الإرهابية، والتي أعلنت أن الإطاحة بالأسد هي هدفها الأساسي، هؤلاء الجهاديون، حسب وصف بعض الدراسات الأمريكية، هم الذين دربتهم الولايات المتحدة عسكرياً، وهم الذين ينتشرون الآن في العراق، ويسيطرون على بعض أراضيه، بعد أن اشتدت شوكتهم في سوريا. نفس وجهة النظر تعرضها دراسة من إسرائيل، حليفتها الأولى والتي يستبعد تحيزها ضدها، وهي دراسة من 80 صفحة لمركز مائير أميت في تل أبيب لدراسات المعلومات عن الإرهاب، وهي تلقي باللوم على الولايات المتحدة، لأنها أقامت التحالف الدولي ضد إرهاب داعش، من دون أن تجفف أولاً مستنقعات الإرهاب التي انتشرت في المنطقة، وأنها أقامت تحالفاً غريب الشكل، يضم دولاً لديها مصالح متضاربة، وقيوداً داخلية، تجعل من الصعب عليها تقديم التأييد الفعال للحرب على داعش، وهو ما ظهر بوضوح في موقف تركيا المتراخي من تنظيم داعش، بينما يفترض أنها ضمن التحالف الدولي ضده. هذا التنوع في الرؤى لعدد من البحوث والدراسات حول نفس الموضوع، يكمل زاوية النظر التي ينظر منها كتاب مايكل موريل، وكلها ترسم معاً صورة واضحة، للتصور الظاهر في خطط مكافحة إرهاب داعش، ومن المفترض أن تنبه هذه الصورة الطرف الأساسي المعرض للخطر، وهم العرب، إلى حقيقة ما يُجرى من حولهم.