كما توقع كثيرون وكنت واحدا منهم بأن (الليبرالية) ستنطفئ وينطفئ معها أنصارها ويحترقون كالفراش المتهافت حول الضوء، فهم عاشوا فترة أشغلوا بها وانشغلوا بالليبرالية، ولأنها كفكرة لم يكن لها أن تنبت في مجتمع (متدين) بفطرته، مهما حاول معتنقوها (إيهام) الناس بأنها مقبولة، لأنها تدعو إلى (قيم العدالة والمساواة والحرية)، لكنهم لا يقدرون على إخراجها أو نزعها من مفهومها الغربي (الليبرالية: مذهب رأسمالي ينادي (بالحرية المطلقة)! في الميدانين الاقتصادي والسياسي) وتهدف لـ (التحرر من التسلط بنوعيه: تسلط الدولة (وتسلط الجماعة فهم في النهاية يريدونها (حرية مطلقة) وستكون مرفوضة، مهما حاول أنصارها تسويقها، والترويج لها كليبرالية متحررة من كل القيود، فقد تحدثوا عنها بشيء من الإبهار، وحاولوا إبرازها على أنها المشروع الذي سيحقق للمجتمعات (العدالة والحرية والمساواة) بينما لو أنهم لم يجهدوا أنفسهم، بكثرة(الطرح والتسطيح والتبطيح) حولها وعنها، واستحضار المصطلحات والتعريفات والاجتهاد في نفي ارتباطها بالغرب، لأن ما يحاولون الحديث عنه من حقوق الإنسان، هي في الأصل دعوة الإسلام منذ أن ولد على وجه الأرض، فما قاله ربعي بن عامر حين دخل على ملك فارس (جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام) هو يقصد جوهر الحرية في الإسلام، التي تكون وفق تعاليم مضبوطة، وعمر بن الخطاب حين بلغه ضرب ابن عمرو بن العاص للفتى المصري، يوم أن سبق حصانه في مسابقة خيول، كتب لعمرو بن العاص والي مصر في عهده (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). لقد حاول المثقفون وصف أنفسهم بأنهم ليبراليون، وكان بعضهم يقول على استحياء (أنا ليبرالي وهو لا يعرف المصطلح، وبعضهم ظل يراوغ في تعريفها تهربا من معناها الحقيقي عند الغرب، وبعضهم حاول أن يلبسها (رداء إسلاميا) حتى أن بعضهم تحول لمسخرة حين قال (ليبرالي مسلم)، وبعضهم من المتثيقفين سمع من يقول (الليبرالية هي الحرية وبعضهم تبرأ منها، حين أدرك أن المجتمع بوعيه، أدرك غاية محاولات تكريسها، تحت مظلة التنوير، ولم يكن ليقبل أحد أن يعرف نفسه (أنا ليبرالي) بدلا من (أنا مسلم) لأن مايفتش عنه (الليبرالي) موجود عنده في (الإسلام) ولا يحتاج (لاستيراد) فكرة، ويحاول طليها بتعريفات ومصطلحات لكي يقول: أنا بحاجة (للعدالة والحرية والمساواة) فدينه الإسلامي العظيم، يحض على تحقيق (العدالة) بين الناس ولافرق في تحقيقها (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) وأعطى الإنسان (حرية) الاختيار في حياته، حتى في دينه (لا إكراه في الدين)، وعليه أن يتحمل تبعات ما اختاره لنفسه (كل نفس بما كسبت رهينة). وسعى الإسلام إلى إقرار حق (المساواة) بين الناس (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) وقال (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). بعض من كان يتحمس لكلمة (ليبرالية) وجدته اليوم يخجل أن يكررها، أو يوصم نفسه بها، لكنها كفكرة أو مشروع تعد وإن أنكروا (غربية المفهوم أو المصطلح والتطبيق) ومادام جوهر دعوتها موجود في الإسلام، فما الحاجة لليبرالية، ولذا يبرز سؤال (البدوي البسيط) الذي لا يغريه المصطلح (طيب قل إنك مسلم ،ليش تقول ليبرالي). لكن عادة الليبراليين، أنهم يريدون الحديث بلغة عالية المعنى، وبمصطلحات وتعاريف معقدة، حتى يقال إنهم (الطبقة التنويرية) أو (الطبقة المثقفة) حتى أنهم في رواياتهم وكتاباتهم، كلما تمت مواجهتهم قالوا (لقد تم انتزاع الكلام من سياقه).