بات مفهوم ما هو شخصي وحميم وذاتي، متغيّراً تحت تأثير التطور التقني، وهو أمر مهم ملاحظته لأنه كثيراً ما يغيب عن النقاش. استطراداً، هناك تغيير ملموس في مفهوم انكشاف الجسد في الأزمنة الحاضرة. وبإرادة حرّة تماماً، يميل الشباب إلى نشر صور لأجسادهم في أوضاع إيروتيكيّة، بل إنهم ينشرونها في صفحاتهم الشخصية في الشبكات الاجتماعيّة. وفي السياق عينه، بات التخفّف من الملابس في الأمكنة العامة يمارس بوصفه حقّاً، بالأحرى جزءاً من الحق في امتلاك الجسد. ولعل الممارسة «المتطرفة» لناشطات حركة «فيمين» (عُرِفَت أيضاً باسم «عاريات الصدور»)، تشكّل جزءاً من صعود ذائقة ثقافية جديدة. الأرجح أنه من تلك الزاوية، يبدو ما تفعله «وكالة الأمن القومي» فائق الأذى على الأفراد، بل ربما بأشد من وقعه على الدول والمؤسسات. إذ تملك الدول القدرة على مصارعة القوة الهائلة التي تمتلكها «وكالة الأمن القومي» وأدواتها في التجسس الإلكتروني الشامل. وتدل مسألة التجسّس على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومجموعة من السياسيّين في ألمانيا وفرنسا، مع ما أثارته من ردود أفعال من قبل المؤسّسة السياسيّة في البلدين، على ذلك الأمر. عودة حروب الأحياء! الأرجح أنه من المهم تلمّس تلك المسارات المعاصرة والشبابيّة، عند التفكير في مسألة صور «دروني». بديهي القول إن ثمة فوضى مقلقة في الصورة الخياليّة لانتشار «دروني»، الذي يحتمّ أيضاً انتشاراً مماثلاً لطائرات «درون» أيضاً. هل تتخيّل حيّاً في بيروت، انفلت سكانه مطلقين طائرات «درون» كي يلتقطوا صوراً لبعضهم بعضاً، أو بالأحرى كي يخترقوا، من الفضاء، الحياة الشخصية والحميمة لبعضهم بعضاً؟ ولأن صور «دروني» لا تحصل من دون الطائرة الشخصية الصغيرة التي تملك استعمالاً حربيّاً أيضاً، يتجاوز النقاش في شأن «دروني» مسألة المال (ثمن الطائرة)، والمدى (تسير موجات «واي فاي» نظرياً ضمن مئتي متر). مثلاً، كيف يمكن رسم الحدود المقبولة، ضمن مفهموم الحرية الشخصية والحق الفردي في الحياة الحميمة، لأشياء مثل البيت والحديقة والشرفة والشباك؟ ماذا عن الوقت أيضاً؟ ماذا عن «دروني» الليل للجيران، إذا كان «دروني» النهار مقلقاً إلى حد يتلف الحرية الفردية؟ هناك أشياء ربما لا تحدث في شأنها نقاشات كثيرة، مثل استخدام «دروني» في مراقبة محاصيل الحقل والبستان والسهل. هناك شيء اسمه «الزراعة الدقيقة» Precision Agriculture التي تستفيد من مراقبة المحاصيل بالكاميرات المحمولة على طائرات «درون». ماذا لو استخدمت في كاميرا «درون» في التجسّس على محاصيل الآخرين، حتى لو بقيت الطائرة ضمن مجال الملكية؟ حتى في شأن زراعي واقتصادي، لا يبدو نقاش الـ «درون» سهلاً. في المقابل، ربما مثّلت صور الـ «درون» قفزة اخرى في مجال التوثيق البصري اللامتناهي للقرن الـ21، الذي تفجّر مع انتشار التقنيّات الرقميّة. وتعطي المسابقات الرياضيّة (مونديال البرازيل 2014 ما زال حاضراً في كثافة حضور كاميرا الخليوي بين أيدي الجمهور)، يعرف ذلك الأمر بوضوح. هل يمكن تخيّل المونديال المقبل في ظل استخدام جمهور الأستاد لطائرات «درون» في التصوير؟ إذا جرى ذلك المونديال في موسكو، ماذا يكون موقف الرئيس بوتين من ذلك الأمر؟