يعتبر التعليم في العصر الحاضر هو القاعدة الصلبة والأساس المتين الذي تقوم عليه حياة الأمم والمجتمعات المعاصرة, فالدول المتطورة عمدت الى تأسيس نهضتها على العلم لمعرفتها بأهمية مستقبل التجارب التي آلت اليه وأكبر دليل هو ما يشهده عالمنا المعاصر من تقدم على كل الأصعدة، وبالرغم من أننا في عصر تطور العلم والتكنولوجيا، إلا أن الأمية مازالت طاغية في كثير من الدول لأسباب عديدة منها ماهو سياسي واجتماعي، واقتصادي. يختلف تعريف الأمية بين بلد وآخر، في اليابان يُعرف الأمي بالذي لايجيد تقنيات العمل أو المهنة، وفي الوطن العربي يُعرف الأمي بالذي لا يجيد القراءة والكتابة، ولفتت بعض الأبحاث بأن الشخص قد يجيد القراءة والكتابة من دون فهم لما يقرأ ويكتب فأضيف معيار الفهم إلى تعريف الأمي ليصبح هو الشخص الذي لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب أو يفهم عبارة قصيرة وبسيطة عن حياته اليومية. بعد البحث والتدقيق في خضم هذه المسألة يتبيّن أن محو الأمية مسألة معقدة جداً وما زال أمامنا الكثير لنعلمه عنها، ومسألة التحقق من نطاق مشكلة الأمية وطابعها معقدة جداً بسبب استخدام معايير قياسية مختلفة وكون الأطر المتنوعة تطرح تحديات مختلفة فهي عملية معقدة وديناميكية. أن محو الأمية هو مفتاح التعلم وأساس عملية التعلم مدى الحياة الذي يحمل في طياته وعداً ببداية جديدة وبفرصة ثانية وخاصة في هذا العصر السريع التحول، عالم التكنولوجيا المتغيرة والمعرفة المتزايدة، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان، ويمثل عنصراً أساسياً لتحقيق التنمية الاجتماعية والبشرية، وذلك نظراً إلى قدرته على تطوير حياة البشر، وفي ما يتعلق بالأفراد والأسر والمجتمعات على السواء، فإن محو الأمية يُعتبر أداة تتيح تحسين الظروف الصحية وزيادة الدخل وتعزيز العلاقات بالعالم المحيط بهم. يتبادل المجتمع المتعلم الأفكار وينخرط في الحوار، ومع زيادة اتساع نطاق الاتصالات المتوافرة تفضي إلى إحداث مزيد من المشاركة الاجتماعية والسياسية، وتتطور باستمرار استخدامات مجال محو الأمية فيما يتعلق بتبادل المعارف، ويقترن ذلك بمظاهر التقدم التكنولوجي. وتشكل الأمية عقبة تحول دون تحسين الظروف الحياتية للأفراد، بل إنها قد تفضي إلى الاستبعاد والعنف فهي من أهم العقبات التي تواجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية وأهم مظهر من مظاهر التخلّف الإنساني. للأمية آثارها السلبية ومخاطرها على الفرد والمجتمع وعلى نقص الإنتاج والدخل القومي والفردي، وعلى زيادة الهدر والفقد، ونسب الإصابات في العمل والحياة وعلى نقص الوعي بمفهومه الشامل، مما يجعل الفرد جاهلاً بتكوين وتوجيه حاجاته الإنسانية من حيث الحاجة للبقاء والنماء والمشاركة والانتماء والكرامة والارتقاء وأيضاً على إعداد المواطنة. فالأمية تعني عدم توافر الوسيلة المناسبة لمتابعة متطلبات المواطنة بمفهومها الشامل، الأمر الذي لا يقتصر على الوعي السياسي والمشاركة السياسية، بل يمتد إلى نواحٍ متعددة كالتنشئة والمشاركة السياسية، ومدى الشعور بالانتماء الوطني والقومي والمشاركة في العمل والإنتاج, ويكون الأمي سهل الوقوع فريسة التعصّب وتجنيده للمشاركة فـى أعمال هدامة تضر بأمن الوطن والمواطنين، مما يكلف الدولة الكثير من الجهد والمال في التصدي لهؤلاء المتعصبين. تختلف أسباب الأمية باختلاف المعطيات الإقتصادية والاجتماعية، كما تختلف النتائج باختلافها أيضاً لكن يمكن إدراج الزيادة السكانية المستمرة عاملاً مهماً من عوامل تفاقم المشكلة في غياب اتخاذ الاجراءات الحاسمة لمحو الأمية في العالم, والأوضاع الاقتصادية في كل دولة تؤثر على الأطفال من حيث مستوى التعليم والرعاية الصحية والخدمات التي يتلقاها هؤلاء. والتفاوت الحاد في مستوى الدخل بين الدول العربية يلعب دوراً كبيراً في تفاوت الحركة التعليمية, وقصور السياسات وعشوائية التخطيط وضعف الجمعيات، إضافة إلى عدم جدية تشريعات إلزامية التعليم في الدول العربية، كل ذلك ساعد على خلق منابع الأمية ومنها ارتفاع معدلات الهدر المالي للتعليم وقلة الأبنية المدرسية وضعف التجهيزات وارتفاع ظاهرة الرسوب والتسرب في التعليم وعدم وظيفية المناهج التعليمية لربط المتعلّم بالتدريب المهني المنتج وربط الأمية بنظام التعليم العام. إن الأمية في العالم الإسلامي تشكل قضية أمن قومي ووطني بالمفهوم الشامل، الذي يتعلق بالمصالح العليا للوطن وللأمّة، يقتضي أن نتعامل مع هذه القضية بأكبر قدر من الجدية والإحساس العميق بالمسؤولية. ولابد وأن تكون هناك مع النية الخالصة الإرادة القوية لإنهاء هذا الوضع المشين للأمة الإسلامية, لابد وأن توضع حلول مبتكرة غير تقليدية لأن الحلول التقليدية لم تفلح في إنهاء تلك الأزمة التي تتزايد نتيجة إهمالها. لاشك أن هناك الكثير من الأفكار التي تحتاج لتقنينها ووضع ضوابط لها لعدم التلاعب بها ولكي تكون هدفاً قومياً لمدة معلومة قد يكون بعض هذه الأفكار والحلول المبتكرة الاشتراط على المدارس الخاصة - كمسوغ أساسي من متطلبات حصولها على الترخيص أو التجديد- أن تخصص الفترة المسائية للمدرسة لمحو الأمية على أن يطلب منها تعليم عدد معين القراءة والكتابة، وتتكفل بإرسال أسماء من محت أميتهم كل عام لكي يتم التجديد لتراخيصها، وإنشاء مدارس خاصة وأهلية معتمدة ومراقبة من الحكومة لتعليم الأميين القراءة والكتابة وأيضاً محاربة التسرب الدراسي بإلزام كل من بلغ السن الدراسية بالانتظام في مدرسة مع تخفيف الأعباء الدراسية عن كاهل الأسر حتى لا يكون التسرب نتيجة لثقل الأعباء المادية على الأسر. * كاتبة كويتية Suhaila.g.h@hotmail.com @suhaila.g.h