الجميل في قطار الحياة، أنه حين يتوقف بنا في محطة ما، فإننا لا نغادر تلك المحطة إلا بعد أن نحمل معنا بعضا من الهدايا المجانية. إن تلك الهدايا ليست أبدا شيئا معتادا.. بل من نوع مختلف. والأجمل من كونها هدايا - ومجانية أيضا - أنها لا تأخذ طابعا واحدا يمكن توقعه، بل لا نملك إلا أن نتفاجأ بها في كل مرة، وكأنها المرة الأولى. سأخبرك عزيزي القارئ بإحدى تلك الهدايا التي وصلتني في محطتي الأخيرة حين كنت في معرض الشارقة الدولي للكتاب لتوقيع إصداري. كانت هدية الحياة لي في تلك المحطة عبارة عن قصة أعجبتني جدا لشاب يافع وموهوب. وبما أن القصص ذات النهايات المبهرة تستهويني، فسأشاركك تفاصيلها. يحكى أن شابا يدعى عبدالله، في السادسة والعشرين من عمره، أحب القراءة جدا، حتى امتلأت غرفته بالكتب التي كان يشعر بأنها عائلته الثانية. ورغم انعزاله لفترات طويلة ليبقى مع تلك العقول التي تلتحِف الأغلفة، إلا أنه كان بارعا في اكتساب الكثير من الصداقات والحفاظ عليها. لكن ذلك لم يكن الشيء الوحيد الذي برع فيه، فانغماسه في بحر الحروف، وخاصة الروايات، ومتابعته الدائمة للإصدارات الجديدة، كان كفيلا بخلق شغف الكتابة الروائية بداخله. فكتب روايته الأولى التي استغرقت عاما كاملا، وحملها محلقا بها كطير سعيد إلى دور النشر كي يجسد حلمه في كتابٍ يحمل اسمه. وما بين المماطلة وعدم الاستجابة والرفض، اكتفى عبدالله بالتقدم إلى خمس وثلاثين دار لم تقبل أي منها طباعة روايته، حتى توقف عن عرض روايته. لم يعلم بأن الكثير من دور النشر تهدف إلى الربح التجاري وليس إلى تقديم الإبداع ونشره ليصبح في متناول الأيدي، وبأنها لا تحبذ الطباعة لأي كاتب مغمور لا يتمتع بزخم إعلامي ولا يثير اسمه حفيظة مجموعة من الناس! لكنه يعلم تماما أن رموز الأدب الذين مازلنا نقرأ لهم حتى هذه اللحظة لنتعلم من إبداعهم، قد تعرضوا لذات الموقف باختلاف التفاصيل. أما نهاية القصة يا قارئي الوفي، فهي أن عبدالله قرر أن يعلمنا درسا جميلا مما تعرض له في هذه التجربة بأن يحولها إلى مشروع ناجح. وها هو اليوم ينتهي من اللمسات الأخيرة لإنشاء دار النشر الشبابية التي أسسها ويملكها هو! أليست بحق نهاية مبهرة؟! أبارك لعبدالله مقدما النجاح الكبير الذي أتوقعه له، وسعيدة جدا بأن كانت قصته هديتي في تلك المحطة. فقد تعلمت منه أن النجاح في الحياة لا يتحقق إلا لأصحاب هذه الهمم التي لا تعرف الانحناء.