×
محافظة المدينة المنورة

مدير الدفاع المدني بالمدينة المنورة يقف على جاهزية مراكز القطاع الثابتة والموسمية بالمنطقة

صورة الخبر

يروي الشاعر البحريني قاسم حداد أن النساء كنّ يعاقبن البحر بكيّه بسعف النخيل المشتعل، وذلك عندما يعود أحد البحارة ميتاً بعد رحلة غوص في مجاهيل الماء وغموض الزرقة المترامية، وقد توقفت عند هذه الصورة المبكية حقاً، فالمرأة التي يموت زوجها في البحر تقوم بمعاقبة الماء بالنار، وأنها صورة ليست ميثولوجية أو أسطورية، بل هي حقيقة من حقائق زمن الغوص على اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي، غير أن ما تفعله المرأة انتقاماً من البحر لزوجها الغائب يقع في إطار التفكير الشعبي الفطري المولود من طبيعة البيئة البحرية في زمن ماضٍ قام الكثير من الباحثين في الثقافة الشعبية بجمع حكاياته وأساطيره وقصصه التي تدور حول الصيد والغوص، والنوخذة، والبحارة الذين يموتون في عرض البحر، وبعضهم يوثق إلى شيء ثقيل ويترك لمصيره النهائي في قاع الماء. الثقافة الشعبية الخليجية مادة ألماسية بالنسبة للباحثين المتخصصين، غير أنها أكثر ثراء بالنسبة للشعراء والمسرحيين والتشكيليين، وفي المسرح الإماراتي على وجه التحديد شهدنا الكثير من العروض التي تتمركز على ثيمة البحر، فالبحر هو فضاء المجهول، والبحر هو فضاء العيش والرزق، والبحر هو قبر من الماء، وتأتي هذه السياقات جميعاً تحت عنوان واحد هو الحنين. في التشكيل، وفي الشعر، وفي الرواية والقصة القصيرة في منطقة الخليج العربي يحضر البحر زمناً ماضياً ومكاناً ماضياً، ومع ذلك لم يتحول البحر إلى طلل من الماء اندثر وتلاشى من الذاكرة، إنه ليس طللاً رملياً، بل هو فضاء يومي مرئي غني بمفرداته، وحضوره في الذاكرة الماضية، والذاكرة الراهنة. توقفت عند حكاية النسوة اللواتي كنَّ يكوين البحر بسعف النخيل المشتعل بالنار من باب أن هذه الحكاية النادرة هي صورة شعرية شاهدها وعايشها شاعر، فبقيت ماثلة في ذهنه وفي خزانه الوجداني والمعرفي، غير أن هذه الحكاية هي جزء صغير من سلسلة حكايات أبطالها نساء. كنت دائماً أحاول تتبع قصص البحر، وفيما إذا كانت المرأة في الخليج العربي تقوم بالغوص على اللؤلؤ إلى جانب زوجها البحار، غير أن الأهم من ذلك أن هذه الحكايات المجهولة إنما تحتاج إلى فريق بل إلى فرق عمل بحثية ميدانية تغوص على لؤلؤ آخر من الحكايات والقصص والروايات.. هذا اللؤلؤ الحكائي إن جازت العبارة مادة بالغة الأهمية في الثقافة الشعبية الخليجية، وفي التراث والمخيال الشعبي، ومن المهم أن لا ينحصر البحث في هذه الثقافة في مجموعة من الأفراد، وأغلبهم وربما كلهم غير متفرغين لعملهم البحثي الميداني هذا، بل الأمر العملي هنا أن تتولى الحفر في ثقافة البحر وتراثه وذاكرته مؤسسات متخصصة تضع في الحسبان أنها تعمل على مشاريع ثقافية كبيرة، تحتاج بالطبع إلى خطط عمل، ومنهج بحث قد تكون المرأة عنصراً أساسياً فيه. يوسف أبولوز yosflooz@gmail.com