قالت بعض الصحافة الغربية والعربية أن هناك احتقانا إلكترونيا في أوساط عرب الإنترنت، وأرجعت أسبابه لمشاركة المطرب المغربي عبدالفتاح الجرياني وبطل الراليات القطري مبارك الهاجري في مراسم غسل الكعبة المشرفة يوم الإثنين 18 نوفمبر 2013، ولم تعلق جهة رسمية على مشاركة الثاني باستثناء السفارة القطرية ولكنها تبرأت من الأول، ربما لأن مهنتـه وهندامه المعـــــروف في صوره، لا يتناسبـان وقدسية المكان الذي تواجد فيه، واتجهت أصابع الاتهام إلى دعوة شخصية وجهت إليه من السدنة لم يذكر صاحبها بالاسم، والسادن وعائلته يمنحون 200 بطاقة مقطوعة على دفعتين، ويكون توزيعها بمعرفتهم على ضيوف غسل الكعبة في شهري شعبان ومحرم، وقد حملت بطاقة الجرياني الرقم 140 وجاء اسم عائلته فيها مختلفاً، ولعل اللافت أن هذه الضجة رافقت تسليم مفتاح الكعبة الجديد، بعد أن كان مداراً لخلاف قبل شهر أو أقل بين رئاسة الحرمين الشريفين والسدنة. مراسم غسل الكعبة ليست جديدة وقد بدأها الرسول الكريم عندما فتح مكة في يناير 630، وأول نقل تلفزيوني مباشر لغسلها تم في يوليو 2009، ولم تواكبه تغطية إعلامية مكثفة مثلما يحدث حالياً رغم أهمية المناسبة، وقد شاركت في غسلها شخصيات إسلامية وعربية كثيرة وكبيرة، ولا أعتقد أن أحداً توقف أمام أسماء الضيوف أو المشاركين في السنوات الماضية، وبحسب العارفين، يجوز لكل مسلم موحد المشاركة في غسل الكعبة وسلوكه وتصرفاته، مهما كانت متجاوزة، لا تغير شيئاً في موضوع الجواز، ولا يوجد نص قرآني أو حديث نبوي صحيح يقرر ضوابط معينة لمن تتم دعوته. إذن وبدون الدخول في التفاصيل لا يوجد مسوغ معقول يبرر الاحتقان إن وجد، إلا إذا كان المحتقن يرغب المشاركة في غسل الكعبة، وهو من حيث المبدأ حق مشروع لعموم المسلمين، وتحقيق المطلب يحتاج أولا إلى تنظيم وخطة ونسب مئوية وبطاقات مرقمة فالوقت قصير والمساحة ضيقة، ثم إن تفسيق الآخرين كيفما اتفق لا يخدم أحـــداً، ما لم يسهم في نقل انطباعات مشوهة وسلبية عن طــــريقة تعامل المسلمين مع بعضهم في الداخل والخارج، وحملة التشنج الإلكتروني في معظمها كانت بالعربية وضد عرب، وفيها اختصار معبر ومفيد لأزمة العربي المزمنة مع نفسه وشركائه في الدين واللغة والتاريخ والثقافة، بجانب أنها لم تتناول أصلا في الدين أو قضية خطيرة ومهمة، بقدر ما اهتمت بجزئيات تضر ولا تنفع. شخصنة الأمور والتأثر بمظهر الشخص الخارجي في الحكم عليه مشكلة، ولا أحتاج إلى تقديم أدلة تثبت أن هذه الأحكام المتسرعة لم تكن موفقة دائماً، وحتى نفهم لا بد من وضع الأشياء في سياقات منطقية ومقبولة، ولا نعزل مشهد المشاركة عن مشاهد قريبة في خطوطها العريضة ونتائجها، فمن يتابع يلاحظ إصراراً واضحاً على تكريس البشاعة وتضخيم العيوب في المجتمع المحلي والجوار العربي، والقاعدة الثابتة باستمرار تحاول تحميل الرسميين مسؤوليات لا يستطيعون تنفيذها بمفردهم، لا في مسألة الغسل ولا في قضايا التحرش ولا في الحملة التصحيحيــة ولا في تعنيـــف المرأة وعضلها ولا في زواج القاصرات وهكذا، وعلى سبيل المثــال، لا تختص جهــــة واحدة ووحيدة بتوجيه دعوات الغسل، ولا يمكن التأكد تماماً من نظافة وأمانة جميع من يملكون توجيهها، ولا يستبعد أن الفرقعة الإعلامية مرتبة، وأيضاً تجمعات المخالفين للأنظمة في الشوارع، جاءت لأن بعض من وظفهم من أصحاب الأعمال لا يريد دفع غرامة قد تصل إلى مئة ألف ريال لكل مخالف، والتحرش لم يخـــرج من فراغ، وتحركه أفكار متراكمة تعودت النظـــر إلى المرأة من زاوية الغواية والضعف والانكسار، والخطأ وارد بالتأكيد من الرسميين وغيرهم.