عبر مطار «شارل ديغول» وبطائرات مزوّدة بألواح شمسيّة، تقاطرت إلى باريس وفود صحافيّة لتغطية عرض أزياء هو الأول من نوعه. وتحت الأقواس المتماوجة لمدخل المتحف، تجمّع مراسلو صحافة الميلتي ميديا، وتجاذبوا أحاديث شتى مع ممثلي جمعيات المُعوّقين من الدول كافة. ويشهد حضور الإعلاميين بالأجساد (وبالآلات المتنوّعة التي حملوها بأيديهم أو ثبّتوها على خوذاتهم)، على أن الوسائل الرقمية المكثّفة ليست كافية لتغطية هذا المعرض الأول من نوعه تاريخياً والأرجح، أن وسائل الإعلام سادها ما يشبه الإجماع على أن تغطية عرض الأزياء الفريد من نوعه، يلزمه ما هو أبعد من الصورة الهولوغراميّة المجسّمة الناطقة. يتطلّب الحدث تفاعلاً إنسانيّاً مباشراً ومكثّفاً. يفرض المعرض الذي تتحدّى فيه الإنسانيّة ما اعتبر أنه إعاقة ووصمة لآلاف السنوات، بل تضع ذلك التاريخ بأكمله خلف ظهرها كليّاً. وعند المدخل، انسدلت ستارة نبيذية كثيفة مصنوعة من أشعة الليزر. وما أن يعبر الجسد تلك الستارة، حتى يحسّ بلسعة خفيفة، تضرب الرأس والكتفين. ويحسّ من يعبر ستارة الليزر، أن موجة كهرباء رقيقة تعبر جسده، مع رعشة خفيفة أيضاً. يعمل الليزر على كآلة كاشفة تتفحص الأجساد، وكذلك تتكفل أشعة الليزر بحجب موجات البثّ اللاسلكي بأنواعها كافة. اشترط منظّمو المعرض أن يكون إرسال التغطيات الإعلاميّة عبر جهاز مركزي في المتحف، يتّصل مع الأقمار الاصطناعية والشبكات الدولية. ولعلّ هذا الشرط ساهم أيضاً في دفع وسائل الإعلام إلى إرسال ممثليها في صورة مباشرة، الى «متحف جورج بومبيدو» لتغطية «عرض الأزياء الأول للمعوّق - المتحرّك». ويُعتبر المعرض انتصاراً ضخماً لأصحاب الإعاقة ومناصريهم عالميّاً، كما توّج تاريخاً امتزجت فيه التقنية والعلم من جهة، مع الأزياء وجهود المُعوّقين ومناصريهم من الجهة الثانيّة. أزياء معقدة بالطباعة منذ قرابة أربعة عقود، ظهر أول هيكل روبوتي كامل («إكزوسكلتون» Exoskeleton)، يرتديه المُعوّق فيصبح قادراً على المشي. في ذلك الجهاز البدائي، كان الهيكل يدار بواسطة كومبيوتر مثبّت على الخصر. ولكن قصور ذلك الجهاز تمثّل أساساً في الحاجة الى عكّازتين للمشي، إضافة الى الهيكل، بمعنى أن من يعاني من شلل في أطرافه الأربعة، لا يستفيد منه. حدث تطوّر ضخم في مونديال البرازيل 2014، حرّك كرة البداية شخص مُصاب بشلل في أطرافه الأربعة، لكنه كان يرتدي هيكلاً روبوتياً كاملاً، يتحرّك بواسطة أوامر تأتيه من الدماغ. يرسل المخ إشارات إلى خوذة خاصة فيها لواقط حسّاسة، تلتقط الأوامر من الدماغ، ثم ترسلها الى كومبيوتر مثبّت في الخصر، وهو يتحكّم بالهيكل الروبوتي كلّه. ولقي هذا الحدث «الصغير» تغطية إعلامية هائلة، بل شكّل نقطة انطلاق لجهود عالميّة صبّت في اتجاه الضغط على الحكومات والشركات لدعم هياكل الروبوت للمُعوّقين. واستمرّ التحسّن في هياكل الروبوت، التي صارت صناعة متنامية. وفي العام 2030، حدثت قفزة تقنيّة في صناعة الملابس. وصار النسيج يحاك من أنابيب الكربون المُركّبة بتقنية النانوتكنولوجيا، عبر الطباعة الثلاثيّة الأبعاد «ثري دي برينتنغ» 3D Printing. ولأن أنابيب الكربون تشبه الرمل الناعم المرصوص، التقطت صناعة هياكل الروبوت، هذا التطوّر في النسيج. وظهرت هياكل من نسيج أنابيب الكربون، تجمع الصلابة الكبيرة مع المرونة والليونة. واستمر التطوّر في صناعة أنسجة أنابيب الكربون بالطباعة الثلاثيّة الأبعاد، فصارت تنتج أقمشة بأنواع كثيرة، وبألوان لا حصر لها. وتكاثر ظهور مُعوّقين يرتدون هياكل روبوتية متنوّعة التقنيّات والأشكال، في الشوارع والأماكن العامة. وتحرّكت جمعيات المُعوّقين وأنصارهم لفرض قوانين تدعم حضور المُعوّق في المجال العام، بل أُدخلت تعديلات متواصلة على وسائط النقل كي تتلاءم مع الحضور المتنامي للمعوّق - المتحرك. وبادرت بيوت الموضة الى الاستفادة من ذلك المسار. وفي السنة الماضية، عقد مؤتمر في باريس لدور الموضة، انتهى إلى الاتفاق على صنع هياكل روبوتية على هيئة ملابس تتناغم مع الموضة، ما يعني أن المُعوقين وملابسهم الروبوتية أصبحوا جزءاً أساسيّاً من الموضة والأزياء، على قدم المساواة مع من لا يعانون من الإعاقة. وفي هذا المعنى، يعتبر معرض الموضة الباريسي للمُعوّق - المتحرّك، نقطة تحوّل تاريخي في علاقة البشر بالإعاقة.