من المضحك المبكي في واقعنا المحلي أن نجد هذا الاستخفاف الحكومي السافر بشريان الكويت وأوكسير الحياة فيها، ونعني به الثروة النفطية التي هي في الأساس تترنح مع الهبوط الحر لسعر برميل النفط، والذي تجاوز الخط الأحمر بعد ملامسته سعر 40 دولاراً، وقد نشهد كسر هذا السعر نزولاً! وعندما نقول إن ما تقوم به الحكومة استخفاف، فهو ليس من قبيل التهجم بلا دليل، أو المبالغة، فكل ما صدر من الحكومة يؤكد فشلها في التعاطي مع الملف الأكثر حيوية في البلاد، وما قد يعكسه على واقعها في حال استمرار الأمور المتدهورة التي نعيشها هذه الأيام، ولنا على ما نقول برهان. أولا، أظهر الأمر الطارئ الجديد ضعف حكومة الكويت في سياستها الإقليمية، ولاسيما في الدفاع عن حقوقها وحياضها النفطية والمائية، فما قامت به إيران من تحرك للعمل على استثمار حقل نفط الدرة، المتنازع عليه والموجود في المياه الإقليمية الكويتية، وطرح دفاتر مناقصات لجذب شركات عالمية للاستثمار فيه، يؤكد الاستخفاف الإيراني بالحقوق الكويتية والمطالب والترتيبات السابقة، في هذا الإطار. ولعل ما هو أكثر من الاستخفاف الإيراني «المتوقع» هو رد الفعل الكويتي الذي أكد المخاوف الشعبية ولم يبددها، فبيان وزارة الخارجية كان من الغموض بحيث لا يمكن أن تتخذ منه موقفاً. فهو في الوقت الذي نفى أي إجراء إيراني لتغيير الواقع في الحقل، عاد للقول إنه تم استدعاء سفير إيران وتسليمه مذكرة احتجاج! فهل هذه المذكرة من القوة بحيث تمنع طهران ــ التي أطلق الاتفاق النووي يديها لتعربد كيفما تشاء ــ من المضي قدماً في طرح مناقصة استثمار حقل الدرة؟ وإذا لم تتوقف إيران، ولم تأخذ مذكرة الاحتجاج بعين الاعتبار، فماذا عسى الكويت أن تفعل؟ وهل نملك القوة السياسية والعملياتية لتحريك المجتمع الدولي في هذه الظروف لمنع ملالي طهران من التعدي على حدودنا وثرواتنا؟ إن واقع الحال يؤكد أن إيران تبدو كوحش كان مقيداً، وقد أفلتت له أميركا وحلفاؤها القيود ليتمدد في المنطقة، والدليل أن حليفتي واشنطن ــ ونقصد هنا فرنسا وبريطانيا ــ لم تصدقا أنه تم الاتفاق النووي حتى هرول وزيرا خارجيتيهما ينالان رضا «السادة» ويعلنان عودة العلاقات الديبلوماسية وفتح السفارتين في طهران، فماذا نحن فاعلون؟ ثانيا، من قرأ بيان مجلس الوزراء عن اجتماعه الأسبوعي يوم الإثنين الماضي يكتشف أن الحكومة تعيش ارتباكاً حقيقياً، فمجلس الوزراء دعا في بيانه المذكور لمواجهة تداعيات انخفاض النفط إلى «تنويع مصادر الدخل» بحثا عن مورد يعوض ما نفقده من هبوط النفط. وهذه الدعوة هي في حقيقتها «إسطوانة مشروخة» اعتدنا على سماعها منذ عشرات السنين، والأمر لا يعدو أن يكون تسويقاً إعلامياً وتقارير ودراسات مصيرها إلى الأدراج، ثم إلى القمامة. فكم مرة تعرضنا خلال ربع القرن الماضي إلى هزات نفطية؟ وماذا نفذنا من تقارير «تنويع مصادر الدخل» التي تعقب كل هزة؟ بالتأكيد الجواب «لا شيء»! ثالثا، إن جرح وقف الإنتاج في المنطقة المقسومة بالخفجي مازال ينزف ويكبد خزينة الدولة ملايين الدولارات شهرياً، وحكومتنا العتيدة تشدد يوماً بعد يوم على أن سبب التوقف والخلافات من الأشقاء السعوديين «فنية بحتة» أفليس لهذه الخلافات الفنية من حل؟ أم أن القضية أكبر من مجرد «فنية بحتة»، ومسؤولونا كعادتهم «يدفنون رؤوسهم في الرمال»؟! من كل ما سبق يتأكد لنا أن سياسة حكومتنا تعيش تخبطاً واضحاً وتسير في طريق نحو الهاوية ما لم يتدراكها تصحيح فوري سواء على الصعيد السيادي الخارجي أو السياسة الداخلية. فالمرتبكون لا يمكن أن يجلبوا للبلد الاستقرار، وننتظر تدخلاً من حكمائنا في هذه الظروف العصيبة. ولنا يقين أن الأمور ستعود لنصابها. ونحن ننتظر أن تنقشع الغمة عن بلدنا لتعود إلى سكة الاستقرار. h.alasidan@hotmail.com @Dr_alasidan