النظريّة شيء والتطبيق شيء آخر. نظريّاً، كان في إمكان الأوساط الفنيّة في بلدان مجلس التعاون، نظراً إلى وفرة المقدرة الماليّة، إرساء قاعدة أكاديميّة للموسيقى الجادّة. سيقفز معترض قائلاً: هل تقصد أن كل الموسيقى الموجودة منذ عشرات السنين غير جادّة؟ ماذا تكون إذاً؟ بعد خفض حجم الصوت، وتهدئة النّبرة، وتبطؤ الإيقاع، يكون الشرح والتفسير: إن الموسيقى الجادّة تعني تلك التي يمكن تدوينها لتدريسها، وجعلها ضمن المنهاج الأكاديميّ للمعاهد الموسيقية. وبالتوازي مع ذلك يمكن تطويرها، إلى جانب تصنيفها إلى أشكال أو أجناس. وهذه في الحقيقة والواقع معضلة عربيّة شاملة. والمأساة هنا، هي أن اشتراك الجميع في النقص، لا يعني إعفاء الجميع من التقصير، ولا قبول العذر منهم فرادى. لأيّ كان أن يرى ما يرى، وأن يقتنع بما شاء، ولكن القلم يقطع بما ليس جائزاً، وهو أن الموسيقى أهمّ من الفنون التشكيلية (يستطيع مجتمع ما العيش بلا نحت، لا بلا موسيقى)، رغم أن الطرح خطأ، فكيف يكون التشكيل أوفر حظاً؟ هذا يعني أن الموسيقى تتعثّر في شباك هي بريئة منها. هي متّهمة لدى فئات معيّنة بما لا يمتّ إليها بصلة، فالتهمة يجب توجيهها إلى ألوان معيّنة من الموسيقى غير الجادّة. ولهذا ظل مكان الجادة خالياً. تنبني على هذا الواقع محاولات لسدّ الفراغ، تغيّب المشكلة عن الأنظار لمدد محدودة، ولكنها لا تحلّها على نحو دائم. إمّا باستدعاء فرق الموسيقى الجادّة بين الحين والحين، أو بتشكيل فرقة جادّة تعمل وتقدّم عروضاً بانتظام، على طريقة الفرقة السيمفونية في سلطنة عمان، في حين يظل العمل التأسيسيّ الذي يشكل الهيكل والعمود الفقريّ، هو إنشاء معهد موسيقيّ أو معاهد لكل بلد، ترتقي تدريجاً إلى مناهج المدارس العليا للموسيقى. على هذا النحو فقط، يتسنى للموسيقى الجادّة أن تجد الدروب الممهدّة إلى الأذهان. ويكون تطوير الموروث على أيدي أهل الاختصاص عبر التحقيقات والبحوث العلمية. ما تهمله الأوساط الثقافية في هذا المجال، هو أن الذوق العام مسؤولية كبيرة، وأمانة عظيمة، لأن الموسيقى الجادة الرفيعة، هي من أهم مصاهر روح الشعوب. لزوم ما يلزم: النتيجة الموسيقية: عندما تعزف الموسيقى الجادّة على كمان التعليم الأكاديميّ، تجد ارتقاء الذوق العام، قاب قوسين. abuzzabaed@gmail.com