يحكى أن رجلاً اتخذ الاحتطاب حرفة، لكنه اختص بخشب الصندل، يعرف صنوفه وطريقة قطعه، ولذلك يركز على نوع جيد منه، يعرف اين يبيعه لتوفير المال لأهله. الصندل الغالي أتاح للرجل رغد العيش ومتعه بالعطر، وكان يقضي سحابة يومه بين أزهار وأغصان وظلال، حال طالما حسده عليها الناس حتى اغتر الحطاب. الشيطان لعب برأسه، فقالت نفسه الأمّارة: لماذا تظل حطاباً للأبد والناس تنظر اليك هكذا، لا يفرقون بين غث وسمين من الحطابين؟ حان الوقت لتغير مهنتك وتوسع ثروتك، فتكون من اصحاب الاطيان والأملاك الواسعة، وحينئذ يعمل الناس لك حساباً كالكبار، فتعود عزيزاً كما اسلافك العظماء. الأفكار تدور برأس الرجل دورتها، الرجل يريد الآن أن يمتهن حرفة أرفع، ولو وظف أخشابه التي ألفها في مهنته الجديدة، فلسوف يكون ذلك خيراً مضاعفاً يختصر طريق الجاه وربما السلطان.خلص إلى أن صناعة الخبز أمثل السبل، فهي قريبة من الاخشاب، والرغيف لا غنى عنه بين الناس. وهكذا أخذ يجتث الأشجار يابسها وأخضرها، يكومها امام فرنه، ثم يلقي بها في جوف النار النهمة، ليل نهار يفوح دخان العود ويملأ هواء القرية، حتى نفر الناس من البخور ومن شراء العود فبار عود الصندل في السوق، ولكنه ظل يغمر الخبز حتى تحول طعمه ورائحته الشهية تلك إلى نكهة لا يحبذها أحد. القليل من الفقراء ظلوا يشترون رغيف الحطاب، الذي أصر على ألا يترك الطحين لخبازه والخشب لحطابه، بل أملى عليه الخطل مدّ رجليه أبعد من لحافه، المهم، الرجل أصر على الا يستسلم، فبقي عنيداً يصبر على الخسارات واللوم مستدعياً روح اسلافه وتراثهم.. استمر يحرق الخشب سدى. ضاق ذرعاً، اشجار الصندل البائرة في السوق تأكلها نار المخبز فتهلك، وتهلك معها أحلام الحطاب يومياً، وهكذا أفلس وافتقر أهله، وتضايق اصحاب المخابز وتجار العود جميعاً، حينما انخفضت أسعار سلعتهم بسبب لهاثه خلف المشترين. القصة تذكرني بحال إيران، وطموحها التوسعي وإهدار ثروتها النفطية في مجازفات ومحارق بائسة بحثاً عن مجد غابر، والفتن ومحارقها هي هذا الفرن، ينتج أرغفة طائفية مضجرة.