لعله من بشائر التفاؤل، أن مباحثات السلام، وليس السلام بحد ذاته، أصبحت في متناول اليد في أفغانستان. فخلال الشهور القليلة الماضية قطعت كل من أفغانستان وباكستان وحركة "طالبان" خطوات لم تكن متوقعة نحو إطلاق تلك المحادثات. ثم جاء الإعلان عن وفاة زعيم الحركة الملا عمر الذي يعتبره البعض أكثر قادة الحركة تمسكا بعلاقتها مع تنظيم "القاعدة". وفي مطلع مايو الماضي، عقد أعضاء من طالبان والحكومة الأفغانية اجتماعا في قطر شددوا خلاله على رغبتهم الملحة في تنظيم جولة مفاوضات رسمية. ويُعد هذا التطور خطوة مشجعة، فعلى الولايات المتحدة عدم تفويت هذه الفرصة، والقيام بكل ما هو ممكن لتحريك عملية السلام إلى الأمام. وهي تحتاج الآن لاستخدام كثير من "العصي والجزرات" في الوقت الذي يجب أن تضمن فيه الحفاظ على أمن أفغانستان. منذ 2001، كانت فرص تحقيق السلام بين الأطراف تأتي وتذهب. وفي بعض الأحيان كانت العملية تتوقف لأسباب سياسية، لعل من أهمها التحفظ الأميركي على التعامل مع طالبان، وفي أحيان أخرى كان الحوار بين الأطراف ينهار بسبب نقص التواصل فيما بينها، والافتقار إلى رؤية سياسية واضحة يمكن التفاوض بشأنها. ولم يكن بالإمكان فعل شيء لتحسين هذا الوضع حتى حلول 2010 عندما باركت الولايات المتحدة الفكرة باعتبارها طريقة مفضلة لوضح حد للعنف في أفغانستان. وحتى في ذلك الوقت، كان التقدم يتم بشكل بطيء، وما لبثت المحادثات أن توقفت. إلا أن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة، خاصة عندما عمد رئيس أفغانستان الجديد أشرف غني إلى وضع محادثات السلام في صلب أولويات أجندته السياسية. ويبدو أن كلا من باكستان والصين ترغبان في تقديم يد المساعدة لإعادة إطلاق العملية التفاوضية بين الأطراف مجددا. وقالت مصادر حركة طالبان ذاتها إنها ترغب في دعم الجهود لوضع حد نهائي للعنف. يتوجّب على الولايات المتحدة أن تدعم القوات المسلحة الأفغانية حتى تتمكن من فرض سيطرتها على الأرض وتحقيق الأمن، وأن تضغط على باكستان لدفع حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات، وأن تقبل الحقيقة التي مفادها أنه من الضروري تقديم بعض التنازلات في النهاية. ولعل الأهم من كل ذلك هو أنها تحتاج لإظهار مرونة فيما يتعلق بموعد انسحابها والتعهد بدعم أفغانستان حتى 2017 وما بعده. وبالطبع، تأمل كل الأطراف أن تؤدي المحادثات إلى الاتفاق على تحقيق سلام مستدام. في 2007، أشار عالم السياسة جيمس فيرون إلى أن 16% من الحروب الأهلية وحالات التمرّد التي شهدها العالم انتهت عبر مفاوضات سلام. وحتى لو استغرقت المفاوضات وقتا طويلا، فإنها تبقى الخيار الأمثل لأفغانستان والولايات المتحدة. ويقتضي الأمر تذكير أفغانستان بالدمار والخراب اللذين يمكن أن تؤدي إليهما الحرب طويلة الأمد، إضافة إلى ما سيترتب عليها من تأثير سلبي في الاستقرار الإقليمي واستنزاف مالي للولايات المتحدة والدول الحليفة.