كل فترة وأخرى تخرج علينا وسائل الإعلام المختلفة لتنقل حادثة اختراق أمني لمواقع إلكترونية شخصية أو رسمية أو أمنية أو تجارية، وتكون هذه الاختراقات بالغة الحساسية والدقة. وفي اعتقاد معظم المحللين والخبراء الأمنيين أن ما يحدث من مناوشات منها المعلن وغير المعلن هو جولات خفية في الحرب «الجديدة»، الحرب الفعالة بالتكاليف الأقل والنتائج الأكثر تأثيرا. إنه عصر الحروب الجديدة بامتياز. حروب سيكون الاعتماد فيها على تقنية متقدمة للغاية؛ على الإنسان الآلي المتطور، على الأقمار الصناعية، على الطائرات دون طيار، على أعداد أقل من المقاتلين ولكن بفعالية أكثر، ولكن الأهم ستكون حروبًا معلوماتية في المقام الأول. ولعل من أهم مؤشرات التغيير القادم المستقبلي هو ما تنتجه الكتب والأفلام الأميركية في هذا المجال. فلقد أقبل القراء في الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي الميلادي على نمط قصص الحروب القادمة وتحديدًا عبر كتب توم كلانسي التي باتت معيارًا يلهم كتابًا آخرين مع انتشار ونجاح مؤلفاته التي كانت تمزج خليطًا دقيقًا بين الخيال والواقعية والدراما والفنون القتالية والخطط العسكرية والتقنية الدقيقة المستقبلية. وقراء توم كلانسي يعرفون مدى أهمية كتبه ومدى تأثيرها، فلقد كتب منذ فترة ليست بالقليلة عن أنظمة رادارات وأجهزة رصد معقدة وطائرات خفية لا تظهر وأنظمة تقصي وتتبع العدو، كل ذلك قبل أن تعلن عنه الولايات المتحدة صراحة. والآن مع وجود كثير من المعطيات الجيوسياسية المستجدة المتعلقة بالتطور والنمو الملحوظ للصين، وإدراك أميركا تمامًا للخطر المنتظر منها عليها، ولذلك كانت هناك رواية جديدة من ذات «النفس» الخاص بتوم كلانسي بعنوان «الأسطول الشبح الصيني.. الحرب العالمية الثالثة القادمة»، وهي رواية جريئة تتخيل شكل وسيناريو الحرب العالمية المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة وأهم المعطيات التي ستتسبب فيها وأهم الأدوات التي ستستخدم، وترى الرواية عالمًا جديدًا بعد سنوات قليلة يتقاسم السيطرة عليه قوة مؤثرة وصاعدة هي الصين والتي خرجت من هيمنة الحزب الشيوعي الحاكم ويسيطر على مجريات الأمور فيه حفنة من رجال الأعمال المؤثرين ومجموعة من رجال الجيش يواجهون إمبراطورية قدمت وتعبت وإلى أفول وهي الولايات المتحدة. وتتخيل الرواية أجواء حياتية جديدة ومغايرة مستوحاة تمامًا من إلهام الخيال العلمي الثري، فتقنية الروبوت هي المسيطرة وعلوم النانو هي الأساس وتطورت لتصبح وسائل مساندة في كل شيء؛ غرف نظيفة، وأدوات تنصت بالغة الدقة، وطائرات وغواصات تدار عن بعد، وحسم المعارك يكون في الفضاء وعلى الشاشات المعلوماتية قبل أن يكون بالقذائف والرصاص كما كان قديمًا. الشرارة الأولى للحرب المتخيلة كما تصورها الرواية هي تدمير أقمار التواصل الصناعي العسكري لأميركا عن طريق سلاح ليزر لتسلب الصين أميركا أهم أدواتها القتالية وهي القدرة الرقابية الاستباقية وقدرة التحكم، وجاءت هذه المرحلة بعد «حادثة» متخيلة أن قنبلة نووية في الخليج العربي يخرج المنتجون فيه من السوق ثم تبرم أميركا اتفاقا هشًا وضعيفًا وركيكًا مع الصين لتوريد النفط مقابل السلع ثم تكتشف الصين احتياطات مهولة من الغاز في مضيق ماريانا مقابل الفلبين فلا تعود مقيدة باتفاق أميركا، وتبدأ الرواية في تتبع أحداث الحرب وتساقط الطائرات والغواصات والتي أصبحت أهدافا سهلة للصين بعد أن فقدت أميركا السيطرة عليها. هكذا تتخيل الرواية الحرب القادمة؛ انتصار الصين ذات التقنية الآلية الميكانيكية القديمة أمام الآلة الحربية الأميركية المعتمدة على التقنية الحديثة حتى باتت مهددة بسبب ذلك. الكتاب يريد في رسالة منه استلهام «فن الحرب» بصورة جديدة برؤية عصرية لمؤلفها الصيني العبقري «صن تزوي»، وترغب الرواية في تحذير إدارة الحرب الأميركية وإحراج آلة الصناعة الرأسمالية ورغبة في نقدها لتغيير أسلوبها الذي يهددها. الحرب الجديدة لم يعرف العالم مثلها، وما يحدث من تحكم ومناورات ما هو إلا مقدمات لحرب ذكية في ظاهرها وغبية في أهدافها. الحرب العالمية الثالثة قادمة ولكنها غير كل مرة.