التنمية البشرية في الواقع هي استراتيجية أساسية لنهضة أي أمة وشعب ووطن، حدث ذلك بالنسبة لليابان عقب الحرب العالمية الثانية وخروجها منها منكسرة بلا موارد طبيعية، ولكوريا الجنوبية بعد الحرب الكورية، وأخيرا تجربة النمو الآسيوية وتزامنا معها أو بعدها ظاهرة تنموية التجربة الصينية التي اعتمدت على المورد البشري في صعودها الاقتصادي الحالي الذي ارتقت به إلى الاقتصاد العالمي الثاني بما يفوق التوقعات. تجارب اليابان والصين وماليزيا في تطوير الموارد البشرية جديرة بالتأمل، فهي اعتمدت على التعليم النظري والمهني التطبيقي، ووضعت الأجيال في المواضع التي خططت لها، وهي بذلك أصبحت معيارا ونموذجا في الخروج من عباءة العالم النامي أو الثالث إلى العالم الثاني والأول، وجميعها باستثناء الصين إلى حد ما ليست لها موارد طبيعية يمكن توظيفها لخدمة الموارد البشرية، فماذا يعني أن تبدأ نهضة من الصفر أو العدم؟ ذلك استفزاز إيجابي لنا في النهوض من خلال موارد طبيعية نتفوق بها لتخدم الموارد البشرية، يبدأ ذلك في تقديري من إعادة النظر في المنظومة التعليمية ودمجها مع التربوية بصورة مباشرة ومتلازمة، فالمبدأ الحضاري والثقافي قائم على وصول الإنسان إلى حالة فكرية نشطة تجعله أكثر استعدادا سلوكيا ونفسيا وذهنيا للدخول في أعماق علمية ينفع بها ذاته ومجتمعه ووطنه. لا تزال الموارد البشرية لدينا فكرة نظرية وغير مستوعبة للقيمة الحقيقية لذلك، فهي بلا توظيف أو توجيه للقدرات، وتدخل نطاقات روتينية لمحفوظات تنموية تجاوزها الزمن، وبالتالي فإن الأبعاد التطبيقية للموارد البشرية غير واقعية، والآن مع حالات التفاوت الاقتصادي العالمي ومتغيراته السلبية يبرز دور الإنسان كمورد بشري مؤهل وقادر على مواجهة تحديات المرحلة الدولية واستيعابها بصورة علمية في فكره بحيث يواجه ذلك بنشاط عقلي يتكيف أو يقفز على الأزمات بحلول نوعية مبتكرة. تنمية الموارد البشرية ليست توظيفا عمليا للشباب ومتابعة لتسجيلهم في برامج وزارة العمل، إنها تلك التي تم التعاطي معها على القياسات والنماذج الصينية واليابانية والكورية، مع عامل مهم للغاية وهو تأسيس منظومتنا البشرية على أرضية من الموارد الطبيعية التي لم تتوفر لتلك الدول، الانتقال من العمل الجاهز الى الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشتركة وتوطين التقنية ونقلها هو الفارق الضروري في تأهيل الإنسان وحفزه للابتكار والدخول في دورة انتاجية لا تعتمد على عائدات وظيفية، فذلك يفتح خيارات أفضل ويرتقي بحس المسؤولية الشخصية والوطنية ويرتقي بفكرنا التنموي بحيث يكون الجميع أكثر قدرة واستجابة للتحديات وليسوا على حال من السلبية التي تنتظر وظيفة أو راتبا فقط فالانتاج أكبر من ذلك بكثير. نقلا عن اليوم