في حياة كل إنسان لحظات إلهام يمكن تذكرها، والخبرة الإنسانية العامة تشير إلى وجود تلك اللحظات الإلهامية في حياتنا، وكثير من الابتكارات والإنجازات الخالدة على مر العصور كان مصدرها (الإلهام). يقول (باستير): "لا ينال قوة العارضة وإشراقة البديهة إلا من صبر واستعد زمانا طويلا لتلقي أشعتها". يقول "أديسون" حين سُئل عن العبقرية: "إنها 1% إلهام و99% عرق جبين". قبل أيام قلائل نزلت لحظة الإلهام للبطل السعودي "محمد القحطاني" عند إعلان النتائج النهائية لمسابقة فنون الخطابة العالمية ليتوج بالمركز الأول لأفضل متحدث في العالم، بعد أن تغلب في الجولة النهائية على تسعة متسابقين، وبمشاركة متسابقين من 100 دولة حول العالم في البطولة التي أقيمت في لاس فيغاس الأميركية. لحظات الإلهام التي واتت "محمد القحطاني" لم تأت من فراغ أو بمحض صدفة، بل خرجت لحيز الوجود نتيجة جهد دؤوب ومستغرق. البطل "القحطاني" كان يعاني من تلعثم في النطق (التأتأة) خلال طفولته ولم ينطق أولى الكلمات إلا بعمر السادسة، وبعدما كان "أضحوكة في المدرسة"، أصبح الآن، نموذجا عالميا لقوة الكلمة، رافعا في جولته الختامية شعار "الكلمة قوة". في هذه الأثناء تذكرت بعض الشخصيات الملهمة لأناس ناجحين غيروا مجرى العالم، وقد كانوا مصابين بالتأتأة من ضمنهم: "ألبرت آينشتاين" على رغم ارتباط اسمه بالعبقرية؛ إلا أنه كان يعاني من صعوبات التعلم في طفولته حتى إنه لم يتكلم إلا عند بلوغه ثلاث سنوات، وكذلك "تشرشل" رئيس وزراء المملكة المتحدة كان مصابا بالتأتأة، و"داروين" و"نيوتن" و"مارلين مونرو" و"بروس ويليس" والممثل الكوميدي "روان أثكونسون" المعروف بمستر (بين)، ومنهم أيضا "لويس كارول" مؤلف (أليس في بلاد العجائب) هو ومجموعة كبيرة من أقربائه، وكذلك اشتهر الملك "جورج السادس" ملك بريطانيا العظمى بالتأتأة، خاصة بعد عرض الفيلم الشهير"king’s speech" أو "خطاب الملك"، وقد لخص الفيلم حياة الملك وكيف كان يعاني ويحرج حين يضطر إلى إلقاء خطاب أمام العامة ويفشل، ويستمر الفيلم حتى يجد الملك من يعينه وهو معالج النطق الخاص به الذي استخدم معه أساليب غير تقليدية كما وضح في الفيلم. ومن ضمن الشخصيات كذلك "فيوتتشولد" ويعد من الشخصيات الملهمة في الخطابة على مستوى العالم وهو يعاني من متلازمة نقص الأطراف الأربعة ونشأ في أستراليا، ورغم إعاقته القاسية استطاع أن يعلم نفسه أشياء مثل التزلج وركوب الأمواج، في سن السابعة عشرة، أسّس منظمته غير الربحية "الحياة بدون أطراف" وقدم من خلالها الخطابات في أماكن مختلفة من العالم، دعا فيها إلى التعايش مع الإعاقة وبث الأمل في النفس والعيش بإيجابية بعيدا عن الإحباط واليأس، وكان يضرب بنفسه كمثال أثناء خطاباته ليثبت للناس قدرتهم على فعل المستحيل. كل هذه القصص تعلمنا بأن لحظات الإلهام تسبقها جهود حثيثة ومضنية من التفكير الإبداعي كي تصبح واقعا ملموسا. وهنا أقترح على وزارة الثقافة والإعلام أن تطرح في كل فترة زمنية "قوائم الإلهام السعودية"، تعرض فيها أهم النماذج الملهمة في الوطن التي تدعو إلى الفخر والإعجاب كأمثلة رائدة على عبقرية الإنسان وقدرته على الإبداع والإنجاز. ختاما أقول: قصة محمد القحطاني ليست قصة جائزة، بل هي قصة كفاح ملهمة لشاب سعودي آمن بقدراته ومواهبه، ولم تعيقه "التأتأة" على أن يكون بطل العالم في الخطابة 2015.