مشروع الانتخابات البلدية هو خطوة أولى نحو تمدين التجمعات السكانية المحلية، ونقلها إلى طور أكثر اقتراباً من شكل المدينة الحديث التي من أبرز ملامحها دور فاعل ومؤثر لسكانها على مستوى التنمية والرفاة. وهذا المشروع يستمد أهميته ليس فقط من نقل سكان المدينة من طور المتلقي السلبي للخدمات، بل أيضاً من خلال توسيع دائرة القرار للمواطن وجعله شريكاً رئيساً في تأسيس ملامح بيئته الحضرية، وتصعده من مرتبة (فرد في رعية) إلى مرتبة مواطن كامل. وبما أننا مابرحنا في ألف باء المشاركة الشعبية، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل أهمية هذة الخطوة التاريخية، ولاسيما أن المواطنة السعودية ولأول مرة تدخل فيها كشريك مرشح لمقعد في المجلس البلدي وصوت يمتلك الحق في الانتخاب. وبما أننا كما أسلفت مابرحنا نتهجى أبجدية المشاركة الشعبية حتماً سيتربص بالانتخابات البلدية الكثير من المعوقات، ونرجو أن لا يتخذها البعض كمؤشر على غياب وعي المواطنين أو سلبيتهم بقدر ماستكون معوقات مرحلية حتماً سيتجاوزها المجتمع عبر تراكم الخبرة، وإيجابية المردود. أبرز هذه المعوقات - هي غياب الإرث التاريخي لهذه الممارسة عن تاريخ المنطقة، قديمها، وحديثها، فمدننا الحديثة هي مدن ابنة لاقتصاد (ريعي) اعتاد فيه المواطن أن تؤسس وتجهز له الدولة جميع المرافق، ويقتصر دوره هو على استعمالها أو التذمر خلسة من سوئها. - غياب الأثر الإيجابي الملموس للمجالس البلدية السابقة التي تأسست عبر دورتين انتخابيتين سابقتين بالشكل الذي ولّد نوعاً من اللامبالاة والاستخفاف من المواطنين على قدرة المجلس البلدي على القيام بدور مؤثر فاعل ومغير في محيطهم الحضري. - انتشار بعض الأصوات التي تعاني من قصور وعي مزمن، تحاول أن تجهض هذا المشروع الوطني الهام، إما بدعوى رفضهم مشاركة المرأة بها، أو بدعوى شكلانية هذه الانتخابات وعدم تأثيرها الحقيقي على صناعة القرار. وماسبق قد يكون له دور في تقليص عدد الناخبين ولامبالاتهم، أو أن بعضهم سيكتفي بدور المشاهد المترقب عن كثب لهذه الدورة راصداً فشلها أو نجاحها قبل أن يفكر في المشاركة عبر دورات انتخابية قادمة للمجالس البلدية. وبعيداً عن جميع ماسبق ورغمه، ستظل الانتخابات البلدية هي خطوة وطنية واسعة باتجاه حقل معشب واعد.. خطوة تنقل المجتمع من تجمع سكاني تستغرقه وتهيمن عليه ثقافة رعوية شبه زراعية، إلى فضاءات المدينة الحديثة بكل تحضرها وأنشطتها الإنسانية وبنيتها التحتية ومرافقها المتميزة.. وأحيائها الملبية لاحتياجات سكانها.. والأهم من هذا كله انتماء سكانها لها. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net