×
محافظة المنطقة الشرقية

البلديات : انتخابات منطقة الرياض تستقبل 4913 ناخباً

صورة الخبر

بررت المرجعية الشيعية العليا في النجف تدخلها ضد الفساد ودعم رئيس الوزراء حيدر العبادي في مكافحته بما وصل إليه العراق من «أوضاع مزرية» جراء فشل الطبقة السياسية في إدارة البلد بصورة صحيحة. وتشكل مواقف المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني والمطالب الشعبية غطاء لرئيس الوزراء للمضي في الإصلاح في مواجهة خصومه، إلا أنها قد لا تكفي لتخطي تعقيدات المشهد السياسي العراقي والطبيعة المتجذرة للفساد. ويقول السيستاني: «كانت المرجعية تأمل أن تقوم الطبقة السياسية التي وصلت إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب بإدارة البلد بصورة صحيحة، ولا تحدث مشكلات كبيرة بحيث تضطر المرجعية إلى التدخل»، بحسب رد من مكتبه على أسئلة وجهتها وكالة الصحافة الفرنسية. ويضيف المرجع: «ولكن - للأسف الشديد - جرت الأمور بغير ذلك، وقد تسبب سوء الإدارة - بالإضافة إلى عوامل داخلية وخارجية أخرى - في الوصول بالبلد إلى هذه الأوضاع المزرية التي تنذر بخطر جسيم». ويوضح أنه بعدما «نفد صبر كثير من العراقيين واحتجوا على سوء أوضاع البلاد»، وجدت المرجعية أن «الوقت موات للدفع قويا بهذا الاتجاه»، وأكدت «ضرورة الإسراع في الخطوات الإصلاحية وتحقيق العدالة الاجتماعية». وبعد انطلاق المظاهرات للمطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات وسط درجات حرارة فاقت الخمسين، حض السيستاني العبادي في 7 أغسطس (آب) على أن يكون أكثر جرأة ضد الفساد. وسارعت الحكومة بعد يومين إلى اقتراح إجراءات أقرها البرلمان وأرفقها باقتراحات إضافية. وكرر السيستاني بعد ذلك المطالبة بإصلاحات، لا سيما في القضاء. وفي دلالة على خطر الفساد على مستقبل العراق، حذر المرجع الشيعي من «تقسيم» البلاد بغياب «إصلاح حقيقي»، مؤكدا أن الفساد ساهم في سقوط مناطق من البلاد بيد تنظيم داعش في يونيو (حزيران) 2014. ويأتي الحراك الإصلاحي وسط مرحلة من المراحل الأكثر دقة في تاريخ العراق الحديث، إذ تخوض قواته معارك مكلفة على جبهات عدة ضد الجهاديين، تزامنا مع انخفاض مدخوله المالي بشكل حاد جراء تدهور أسعار النفط. ويرى الباحث في معهد «شاتام هاوس» حيدر الخوئي أن «السيستاني لا يحب الانخراط في السياسة لأنه يؤمن بأن رجال الدين يجب أن يلتزموا بتوفير التوجيه والقيادة الروحية»، إلا أنه يتدخل «بتردد عندما يتعلق الأمر بقضايا استراتيجية كبرى فقط». ويضيف: «يشعر بأن لديه واجب التحرك لإعادة العراق من شفير الهاوية». ونادرا ما يعلن السيستاني مواقف سياسية مباشرة، إلا أن نداءاته تلقى صدى لدى ملايين العراقيين. ومن أبرز هذه المواقف، فتوى «الجهاد الكفائي» بعد هجوم تنظيم داعش، التي تجاوب معها عشرات الآلاف من العراقيين الذين حملوا السلاح وانضموا للقتال ضد المتطرفين. ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري أن «الأوضاع المأساوية الأخيرة» دفعت السيستاني إلى التدخل «بشكل مباشر»، بعدما أدرك أن القوى السياسية «لا تستطيع أن تنتج مخارج أو حتى حلولا لطبيعة الأزمات السياسية المتراكمة (...) وأخفقت في تقديم الخدمات بشكل كبير». وبدأ العبادي خلال الأسبوعين الماضيين بالإعلان تدريجيا عن تطبيق خطوات إصلاحية، شملت تقليص عدد المناصب الوزارية إلى الثلثين، وتخفيض أعداد أفراد حماية الشخصيات وإصلاح الرواتب. وتتضمن الإصلاحات المقترحة إجراءات أكثر جذرية، أهمها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية التي يشغلها سياسيون بارزون هم نوري والمالكي وإياد علاوي (شيعيان) وأسامة النجيفي (سني). ويرجح محللون أن يصطدم العبادي بمعوقات في حال مضيه نحو إصلاحات جذرية، لا سيما أن معظم سياسيي العراق ذي التركيبة المذهبية المعقدة، استفادوا من الفساد لتحقيق النفوذ والثراء. ويرى فنار حداد، الباحث في معهد الشرق الأوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، أن «تغيير ثقافة فساد متجذرة إلى هذا الحد كما الحال في العراق ليس فقط خطوة طموحة، بل مسار طويل المدى». ويضيف: «يمكننا أن نتوقع رؤية خطوات رمزية إضافية (...) لكن الرهان ليس لصالح حصول أي تغيير جذري في المدى القصير». ويعتبر الخوئي أن من أكبر العقبات التي ستواجه أي «تغيير كبير» ستكون من الأحزاب، «ومنها حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، التي كانت المستفيد الأكبر من الفساد الممنهج الذي ابتليت به البلاد». وأضاف أن «التغيير الحقيقي سيعتمد على مدى قوة العبادي في الدفع باتجاهه على حساب خصومه وشركائه وحزبه السياسي». ويعد حزب الدعوة من أبرز الأحزاب الشيعية، وينتمي إليه العبادي والمالكي الذي تولى رئاسة الحكومة بين 2006 و2014. وحمل السيستاني المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ سقوط النظام الأسبق عام 2003، مسؤولية الأوضاع لأنهم «لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية». وتشكل مواقف السيستاني (85 عاما)، بكلمته المسموعة في العراق لا سيما في الأوساط الشيعية، عائقا أمام أي معارضة علنية من القوى السياسية. ويوضح الشمري أن المرجعية هي «الأداة الفاعلة بالنسبة إلى العبادي لمواجهة خصومه السياسيين لأن القوى الشيعية لا تستطيع أن تعارض رغبات السيستاني بشكل علني (...) لأن ذلك يعد انتحارا سياسيا لها». رغم ذلك، يرى أن العبادي لا يزال «يتردد لأنه يدرك أن (...) الوضع السياسي معقد جدا في العراق». وقد يتحول دفع السيستاني إلى سيف ذي حدين، ففي حال لم يتمكن العبادي من مجاراته، قد يؤدي ذلك إلى رفع الغطاء عنه وإنهاء مسيرته. وكان السيستاني حسم العام الماضي النقاش حول ترشح المالكي لولاية ثالثة، بدعوته إلى «التغيير»، في رسالة واضحة له بالتنحي. ويقول الشمري: «إذا كانت هناك إشارة واحدة من المرجعية (...) بأنه (العبادي) عجز عن المضي بالإصلاحات، فسيكون إيذانا بتقديم استقالته».