مؤسسات المجتمع المدني في البحرين تجاوزت المألوف، من حيث العدد، التنوع، التكرار وإنشاء كيانات رديفة، الجمود، التشابك في المهام والأدوار، في عجز بعضها عن لملمة ثمار من اي نوع يخدم الأهداف التي أنشئت من اجلها او خدمة الصالح العام، في وقوع بعضها في غفوة نافست غزوة أهل الكهف، واصبح وجودها كعدمه، في انغماس بعضها في الشكليات والشعارات والنفاق المجاني بداع وبدون، في المآرب المحض شخصية، وحتى فيما يزكم الأنوف.. وافهموا هذه العبارة كيفما شئتم ..!! ليس ذلك فحسب، بل ان هذه المؤسسات ومن دون الوقوع في فخ التعميم، تجاوزت المألوف على صعيد هيمنة وجوه معينة على مفاصل الامور فيها، من يختلف معهم او يعارضهم عدو يجب إزاحته، ومن يناقشهم ثرثار وجبت معاقبته، ليس لديهم او ليس لدى معظمهم رصيد من اي نوع، سوى نجاحهم بامتياز في جعل منطق البطانة والحاشية المتسيد بأكثر الطرق فجاجة، ووجدنا من بين هؤلاء من يرى بان هذه المؤسسة او تلك الجمعية بدأت به ومعه وانه لايمكن ان تسير بدونه وان بقاءه السعيد لامفر منه ويا له من سبب لشرعنة الهيمنة، وبذلك حولوا هذه الكيانات الى كيانات تعاني الضعف والهشاشة ومحدودية بل غياب الحضور والتأثير والفاعلية، هؤلاء ركبوا على الكثير من الجمعيات وحجموها وأفرغوها من مضمونها ان كان لها مضمون من الأصل، وجعلوها مجرد واجهة لهم، شخصنوا العمل العام، واساءوا الى تقاليد العمل الديمقراطي الحقيقي الفعال فى مؤسسات المجتمع المدني، تبنوا اهدافاً نخبوية، وبات بعضهم مجرد منبع لتيار كلامي ألفناه يتطرق الى توافه الأمور او يتعرض وبمنتهى السطحية لملفات وقضايا ضاغطة على الناس وما اكثرها، فقط ليقولوا لنا انهم موجودون، وانهم ينجزون، وانهم قمم في العلم والوطنية، واحسب ان هذا أمر لم يعد سراً خافياً على احد ..!! هناك أيضاً مؤسسات مجتمع مدني باتت سلاحاً ذا حدين، فمن الممكن ان تمثل كياناً قوياً او مقبولاً يحمي قدر المستطاع مصالح المنتسبين اليه فى اطار المصلحة العامة، او يمكن ان تمثل هذه المؤسسات كيانات مكررة، متضاربة، متشابكة مع كيانات اخرى، فينشغل الأعضاء بأمور سطحية، او تكون هذه الكيانات مجرد واجهات وفاقدة لأبسط عناصر الفعل، والأسوأ حين تعمل وتتحرك بعض هذه المؤسسات من جمعيات ونقابات ومنظمات ونواد وروابط وقوى وتكوينات أهلية بالروموت كونترول، او تكون قابلة للانجراف وراء الاصوات الصاخبة التي تبقيها في حدود الظاهرة الصوتية لمجرد ان تعطي نفسها او يعطى لها حجم اكبر من حجمها الحقيقي وهي في الغالب لا عمل واضح ملموس لها، ولا اعضاء فاعلين فيها، ولا روئ او افكار يسير عملها، وان كان لها عمل فهو يقتصر على التسلية وضياع الوقت، او الانشغال بإدارة صراعات وانقسامات بين قوى او تعارض رؤى او مصالح بين اعضاء في هذه الجمعية او تلك. لماذا الحديث عن مؤسسات المجتمع المدني في البحرين ..؟!! ولماذا بات ملحاً ومطلوباً على وجه السرعة النظر في واقع هذه المؤسسات ..؟!! ولماذا هذا القصور في الرؤية تجاه عملية النهوض بواقع هذه الكيانات، وهو القصور الذي يمنع عملياً من ملامسة أفق مستقبل هذه المؤسسات..؟! ولماذا ظلت بعض هذه المؤسسات في دائرة الألغاز والاحاجي في تأسيسها ومسيري أمورها وعدد أعضائها الفعليين، ولماذا أسست جمعيات على مقاسات لأشخاص بعينهم يستهدفون الرزة والوجاهة والرئاسة، ولماذا اعلن عن مشاريع جمعيات انتهت قبل ان تبدأ، ولماذا ظلت بعض هذه المؤسسات مجرد واجهات لتيارات دينية او عصبيات مذهبية وأصوليات طائفية تفوح منها روائح مريبة ..؟ ولماذا يبدي كثر من الناس قدراً كبيراً من الميل الى القبول والتصديق بتراجع أداء هذه المؤسسات والانحراف عن أهدافها ..؟! ولماذا هذه التفضيلات الغامضة التي تنزع الى تكبير ادوار مؤسسات او جمعيات او اشخاص فيها والكل يعلم حجمها الحقيقي، ومنها من لم يتبقَ منه الا الاسم، وتحجيم لمساحات حركة بعض المؤسسات او الجمعيات او ممارسة ضغوط عليها ؟ ولماذا هذا العدد الكبير في عدد مؤسسات المجتمع المدني التي قارب من 600 مؤسسة ؟ وماذا يعني حل بعض الجمعيات او الاضطرار الى قرارات رسمية بتعيين مجالس إدارات مؤقتة لبعضها ..؟!! ثم ماذا يعني هذا القصور في ضخ دماء جديدة في شرايين الكثير من مؤسسات المجتمع المدني ..؟! نتحدث عن هذه المؤسسات لأنه حين نبدأ التقليب في هذا الملف، نشعر اننا غير قادرين على التوقف لأن الحديث عنه هو استعراض لعناصر مشهد الحياة في البلد في اللحظة الراهنة، او لأن الدعبسة في هذا الملف يراد منه - بجد - معرفة اين تقف مؤسسات مجتمعنا المدني، وأين تمضي اذا بقى حالها على ماهو عليه ؟ وهل هناك علة اوعلل لم يستطع احد ان يكتشفها جعلت مسار هذه المؤسسات ينحرف على النحو الذي نشهده ؟ ولماذا اضحينا في واقع باتت فيه أوضاع الكثير من مؤسسات المجتمع المدني تعاني من شروخات واعاقات ومعوقات وبات بعضها جمعيات من ورق او جمعيات فوقية ومنها من بات على شفير هاوية، بعد معاناة من سكون وفراغ وعدم قدرة على العطاء والانجاز وانشطارات، وهذا أمر لا يحتاج الى اجتهادات ..!! ، حتى تلك الجمعيات التي لها تاريخ ناصع بالوطنية والمسؤولية باتت تعاني التباسات الواقع الحالي، مناخ ضاغط من كل اتجاه وكأن هناك من يريد تغير مسار هذه الجمعيات، وتحويل اتجاهها ، وترويضها ..!! ، وهذا أيضاً أمر احسب انه لا يحتاج الى اجتهادات ..!! السؤال الجوهري الملح، هل يمكن ان نعيد لمؤسسات المجتمع المدنى رونقها، ونعيد شيئاً من دورها المفقود ..؟ والسؤال بعبارة اخرى هل يمكن تجاوز كل هذا الأفق الضيق، او كل هذه الهواجس على أوضاع هذه المؤسسات التي يعني قوتها في اي مجتمع شرطاً لازماً في عملية التحول الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية والشراكة في صناعة القرار ..؟ علينا ان نعي بانه ليس من المصلحة ان تستمر هذه الأوضاع، ومشكلة ان لانحسن تشخيص هذه الاوضاع، وكل العلاج يفرض ضرورة الاصلاح، اظن وارجو الا اكون مخطئاً ان مؤسسات مجتمعنا المدني بحاجة الى روح جديدة على السطح وفي الاعماق.. ؟ وفي كل الأحوال لابد من كلمة: علينا الا نترك وقتاً للتهريج والمهرجين ..!!