كثيرة هي المظاهر المزعجة بل السيئة في مجتمعنا والتي نقوم بها بآلية رتيبة دون أن نتوقف عندها، مع علمنا الكامل بخطئها أو مضارها أو بأهمية ترشيدها وتقنينها، لكننا نستمر في ممارستها مستسلمين تماماً لقوانين اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان. حفلة زواج تُكلف سبعة آلاف دينار لشاب بدأ حياته للتو، واقعاً هو لا يمتلك تلك السبعة آلاف، لكنه استدانها من أحد البنوك على أن يرُدها بفوائدها خلال سبع سنوات! لأنها ليلة العمر التي لن تتكرر، لأنه لا يريد أن يكون أقل من آخرين كان لحفلاتهم وقع الزهو على تلك الزوجات وأهلهن، رغم أن كثيراً من الفتيات يقبلن أن يبدأن حياتهن ببساطة تعينهن على حياة يسيرة مستقبلاً، لكنهن سيجدن أهاليهن لهن بالمرصاد فـ اللي ما عنده لا يدق باب الناس، والعزوبية ما ترد أحد!. منذ قرابة الشهر وأنا أُتابع بصمت استعداد إحدى الروضات لحفل تخريج فوج من أطفال الروضة الذين صاروا مؤهلين للدخول الى المدرسة.. كلفة المشاركة ثم كلفة الملابس، كلفة الحفلة والصالة وربما المأكولات، مبالغ قد لا تتجاوز الأربعين دينارا لكل طفل، لكنها عبء على الكثير من الأسر. أتفهم بل من الجميل أن نرسم بسمة على وجه أطفال يعيشون لحظات الاستعداد للدخول لجو المدرسة، بل من الرائع أن هذه الحفلات قد تُتيح لهؤلاء الأطفال فرصة الوقوف على مسرح للإنشاد أو إلقاء الخطابات محتفظين بذكريات جميلة سيكون لها الأثر العظيم على نفوسهم مستقبلاً، لكن ألا يمكن أن تكون تلك الحفلة من البساطة بحيث يتمكن كل الأهالي من المشاركة ضمنها؟ يؤسفني أنها حفلات لتكريم أطفال يمكنهم الدفع بدلاً من أنها حفلات تكريم لأطفال كانوا مبدعين وقادرين على التعلم والاجتهاد رغم سنين عمرهم الصغيرة! لنقف وقفة صريحة ولنوسع مداركنا لما هو أبعد من حفلات الزواج وحفلات التخرج من رياض الأطفال، ما الهدف الذي نود أن نصل إليه ضمن المجتمع ككل؟ أليس مجتمعاً مستقراً قادراً على العطاء؟ كيف من الممكن أن نُحقق ذلك ونحن جميعاً نعيش حالة طوارئ مستمرة، فنعمل لكي نستهلك كل ما حصدناه في كماليات من الممكن أن نستثمر كُلفتها في بناء مجتمع أفضل على مستوى الجماعة وحياة أفضل على مستوى الفرد؟ كيف من الممكن أن نبني مجتمعاً يعيش شبابه حالة طوارئ شخصية نتيجة عدم قدرتهم على الزواج والاستقرار مثلاً؟! إذاً ما دورنا كأولياء أمور وكأفراد معنيين تماماً بكل ذلك؟ حتى متى تستسلم كشاب او شابة مُقبل على الزواج إلى ضغوط المجتمع ليحتفل معكَ بزواج تكلفته سبع سنوات من عمرك بعد الحفلة ناهيك عما قبلها من سنوات؟! وتلك بالمناسبة ليست تكلفة مادية فقط بل تتجاوزها آثار معنوية وأسرية واجتماعية نتيجة الضغظ المادي الذي لا بد أن تتركه. حتى متى يعيش أولياء الأمور حالة بيع بناتهن لمن يدفع أكثر! -مع كامل الاعتذار على التعبير- لا لمن يحفظها أكثر أو يتفهمها أكثر أو يرعاها أكثر؟! حتى متى نقبل كأولياء أمور مقتدرين وبكل أنانية أن نحشر ذوي الدخل المحدود في زاوية بعيدة عن مشاركتنا لحظات سعيدة لأنهم ببساطة لا يملكون، أقولها لمن لم يسعفه تفكيره ليُلاحظ أن تأخر سن الزواج، ثم تنظيم النسل لدرجة تحديده، ثم حالة عدم الاستقرار الأسري الذي يعيشه أفراد المجتمع، إنما هي خدمات مجانية نقدمها لمن يتربص بمجتمعنا منتشياً بفكرة انتهائه بأيدي أبنائه! إن الرفض الاجتماعي الذي من الممكن أن يخلقه الفرد ضاغطاً على الجماعة، ثم الجماعة ضاغطة على المجتمع، ثم المجتمع ككل ضاغطاً على مؤسساته المدنية بل والحكومية، يُشكل أداة رادعة فعالة من المُمكن أن تُنقذنا من عوالق كثيرة استوردناها من خارج المجتمع تارة أو ورثناها كعادات وتقاليد من أجدادنا تارة أخرى. نحن شباب اليوم.. لنكن أدوات ردع لكل ما هو مسيء وظالم ومضر بنا أفراداً وجماعات، ليس على مستوى المظاهر المادية السلبية فحسب، بل حتى على المستوى القيمي وهو ما أرجو أن يُسعفني الحظ لمناقشته في مقال آخر لاحقاً.. ] إيمان الحبيشي