ماجد بوشليبي من الخطأ أن تتحدث عن شاعر دون أن تعرفه معرفة الشقيق النديم، فأنت حينها والشراع سيان، ولا تدري ماذا يكون الشاعر أهو البحر؟ أم الريح؟، لكن السفينة قطعاً هي شعره الذي يأخذك إلى حيث تدري ولا تدري، ولا عليك إن كنت مغرماً حينها أم كنت غارماً، تستحق شفقة الكلمات أم شغف الإمتاع والمؤانسة، مؤلفو نهمات البحر في رحلات اللامكان حيث يحيط بك المحيط من كل جانب، يقولون بعضاً من الخدر والتسلّي وكثيراً من النسيان، خدر على ألم الجوع وألم الجهد، ونسيان الحبيب والسلو عنه، كما يقول بن يدعوه صاحب الشعر الرقيق الجميل لامني من لا درا بي لأني من الفرقا صويبي، لكن الشاعر أيضاً حكّاء ساخر يصنع من الكلمات مطيةً لمقولاته النقدية وأداة تهكمه دون أن تدرك إلى ما يرمي وإلى أين يقودك، وربما هو الشوق، ففي الأسفار غربة وابتعاد عن الوطن سكن الحبيب والأهل، الشاعر سالم الجمري مثل كثير من أهل الإمارات غادرها في طلب الرزق، لكنه ليس بين غبة وغبيب البحر وأهواله كما هو حال بن يدعوه بل وسط آبار النفط على اليابسة كان يشتاق إذ يقول في قصيدته الشهيرة لولي بخت ما سرت الكويت يقول: من بعد كيف وآنس ومبيت ومنادمة مدعوج الأعيان اليوم حالي في تشتيت في الأحمدي وواره وبرقان وسافر الجمري بعد ذلك إلى السعودية والهند وشرق إفريقيا وقال قصيدةً من أجمل قصائد الرثاء عندما توفيت زوجته في غيابه يقول في أحد أبياتها: حبيب الروح يا خلان وينه سقاه البين كاسات الحمامي الشاعر مايد بن علي النعيمي شاعر مطبوع توفاه الله في ريعان شبابه لوعت به الغربة كما فعلت بغيره إذ يقول: ذكر الوطن هيّج غرامي واشفجت وزاد الولع بي أبات في هم أو ملامي والغير في غيّ أو لعبي وحال مايد النعيمي أشبه بحال خلفان بن مصبح في الغربة، وربما كان أصعب، لاسيما كانت هي والمرض خصمين لقلب رقيق أضناه بُعد الأحبة والأصدقاء وما كان ليتأسى بشيء على ذلك الفقد إذ يقول: عزّ التأسي وفاض الدمع هتّانا والصبر أدبر والسلوان أعيانا، وفي شاعر واحد قد يكثر الشعراء بل من الممكن أن يكون ديواناً لنفسه ولغيره، لفرط ما أضافته له الغربة من تجديد وسعة اطلاع ومعرفة، ونجد مثل هذا في شعر راشد الخضر وغيره من شعراء الإمارات، فأدب الغربة أدب رغم ما فيه من معاناة وألم وشوق للوطن والمحبوب، إلا أنه غرض شعري تتجسد فيه كثير من أغراض الشعر كالغزل والمشاكاة والحنين والوطنية. ولا يقف الأمر عند الشعر بل يتخطاه إلى كثير من الأمور التي تقود إلى دراسة فترة من فترات التكوين الثقافي للمنطقة، إذ إن المنطقة قد قذفت بكثير من فلذات أكبادها إلى مختلف أنحاء الأرض سواء كان هذا للتجارة أو بحثاً عن لقمة العيش وأحياناً للعلاج وطلباً للمعرفة والعلم، فمنهم من عاد أو بقي هناك، وقد انعكس ذلك في مردود أدبي وثقافي حري بنا تقصيه ودراسته. majedbushlaibi@gmail.com