لايزال عالمنا الذي نعيش فيه رغم تغيّر أحواله، وتواري كثير من القيم المثلى فيه، والأخلاق الفاضلة، إلاَّ أنه لا يخلو من فضلاء يحملون همَّ القيم الكبرى، وينشرونها بين الناس عبر سلوك راقٍ يمكن الاقتداء به، لذا فإني أخذتُ على نفسي عهدًا أن أتخيّر منهم أفرادًا عرفتهم، أكتب عنهم بين الحين والآخر، لعلّي في ما بعد أضم هذه المقالات في كتاب أحيي من خلاله نجومًا في مجتمعاتنا الإسلامية، لهم فيها أثر موجّه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وأنا عشت العمر كلّه في كنف علماء أحببتهم، وأفدت من علمهم، سواء أكنت لهم معاشرًا أثناء فترة الطلب، وهم لي أساتذة وشيوخ، أم عرفتهم خلال مصنفاتهم وما أبدعوا، فهم يملأون عليَّ حياتي، ويهدون إليَّ محبتهم، فأبادلهم الود بمثله أو أكثر منه قليلاً، فأنا من البشر أشبههم في كثير، وقد أنفردُ عنهم بالقليل، وقد يكون ما انفردت به لا يعجبهم، ولكن هكذا جُبلت عليه، فلست ممّن يغرق في اتخاذ الأصحاب ولو كانوا لا لون لهم ولا طعم، لأفخر بين الخلق بكثرتهم. فالفضلاء والنبلاء لاشك أنهم في هذه الحياة النجوم التي ترتجى، والتقرب إليها والعيش معها، هو ما يملأ النفس سعادة، فإن قلوا، فمنهم من خدموا البشرية بعلمهم في شتى العلوم، خاصة منها العلوم الإنسانية، والتي منها علوم الدين، ثم العلوم الطبيعية التي بسببها تحققت النهضة للإنسانية في العصر الحديث، وللنبلاء في الحياة مواقف إنسانية مشهودة، يلوذ بهم ضعفاء الناس، الذين لا يجدون لهم معينًا سوى الله، ثم هؤلاء النبلاء، ولهذا فإن الضعفاء وحدهم من عرفوا قدر النبل وأهله، لأن ثمرة هذا النبل هي ما تسعدهم، وغيرهم من البشر ممّن تقودهم أطماعهم في مالٍ ومنصبٍ وجاهٍ، وهو في طريقه لتحقيق هذا كله، لا يهمه أن داس بقدميه ضعفاء الخلق، الذين لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم، فتجار الثروات والمناصب والجاه، الذي هو تبع لها لا يهمهم شأن وطن ولا من يعيش فيه، الهم هم نفسه فقط، الهم هم نفسه فقط ، تسأل أحدهم، وقد امتلأت خزائنه بالأموال، وظل في المناصب يتبوأ منها ما شاء، كلّما أقيل من أحدهما سعى إلى آخر، يمشي بين الناس مزهوًّا كأنه الطاووس من خلفه، يسعى قوم جبلوا على أن يكونوا أتباعًا، لا رصيد لهم في قيم أو فضائل، هم يبيعون مثله الأبهة المصنوعة، وإذا دخل مجلسًا أحاط به منهم نفر يؤمِّنون على كل ما يقول، ولو كان هذا القول حظه من التفاهة هو الأعظم، يخدمه هؤلاء وقد خدم هو قومًا آخرين لهم من وصفه ورسمه وأخلاقه وطباعه النصيب الأكبر، ودومًا أمثالهم يمرون بالحياة وكأنهم سحابة صيف عمّا قليل تنقشع، ولا يبقى لهم أثر، ينساهم الناس، حتى أولئك الذين انتفعوا منهم ممن يقدمون لهم الخدمات ذات الثمن المدفوع مسبقًا، ويبقى النبلاء ذوو القيم والفضائل نجومًا أثناء الحياة، ويذكرون رموزًا بعد الممات، وكم تذكرت الإنسانية عظماء من بني البشر أثروا الحياة بعلم وثقافة وفكر نيّر، أهدوا البشرية معارف وعلومًا بقيت على مر الزمان تهدي الناس إلى أسلم الطرق لبناء حياة للبشر آمنة وميسورة، ولم تنس البشرية صنّاع التقدم في هذا العالم من مخترعين ومبدعين، وأولئك الذين نجحوا في الحياة وحققوا لأنفسهم مجدًا، لكنهم ظلوا دومًا النبلاء الذين كل همّهم من الحياة أن يشعر الضعفاء من حولهم بالسعادة، ويبذلون في سبيل ذلك أثمن ما يملكون أرواحهم، حيث يقولون كلمة الحق لا يخشون لومة لائم، ويبذلون جاههم للضعيف والفقير، كل جهدهم مبذول من أجل العدل، الذي يسعون ليكون ميزانه منصوبًا، كفتاه متوازنتان دومًا، يسعد به الناس ويحقق لهم الطمأنينة، ويتحمّلون في سبيل هذا كل أذى ينالهم، لا تراهم أبدًا يشكون ذلك، بل هم السعداء بهذا البذل وهذا التحمّل، وكلّما وجد هذا الصنف النبيل في مجتمعات البشر ارتقت الحياة فيها، وعاش الناس فيها سعداء، إن هؤلاء هم مَن يُعاش في كنفهم، وهم أوفى الناس إذا صادقوا، وأبرّهم بالخلق إن أصبحوا أصحاب ثروات، يبذلونها ليسعد الناس من حولهم، لا هؤلاء الذين يمضون الحياة يكدسون الأموال، حتى إذا عُدَّ ثريًّا كان قد وصل إلى سن لا يستطيع معها التمتع بهذه الثروة، ولم يبق إلاَّ أن يرثها مَن حُرم منها في حياته من أبناء وزوجه يتمتعون بها، ولا يتذكرون حتى أن يدعوا له، أرأيتم أن ما انفردت به هو الحق؟ فاحرصوا -رحمكم الله- على أن تلتفوا حول النبلاء الذين هم مَن سيسعدونكم، فهو الأولى بكم، ولكم أنفع. فهل أنتم فاعلون؟ هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain