جلست أتأمّل بوفيه الطعام في أحد فنادقنا المرصّعة بالنجوم!. ولم يفُتْني بالطبع تأمّل الناس الذين يطوفون حوله، مثل طواف العاشق الولهان حول مضارب معشوقته في الجاهلية الغابرة، ثمّ يغرفون منه ما لذّ لهم وطاب من الطعام والشراب!. كان سعر البوفيه ٢٥٠ ريالاً للفرد الواحد، ولو حلّلْتم هذا السعر لاكتشفْتم أنّ رِبْح الفندق من البوفيه يبلغ بلا أدنى مبالغة عشرات الأضعاف قدر تكلفته!. والبوفيه حسب بعض الموسوعات ابتكار لأحد الرؤساء الأمريكيين السابقين، بعد انتهاء الحرب الأهلية التي عصفت بين الشمال الأمريكي وجنوبه عام ١٨٦٥ م، وقد ابتكره بهدف إكرام بعض ضيوفه المهمّين، وتقديم اختيارات كثيرة لهم من الطعام والشراب، بأسلوب راقٍ، ليختار كلٌ منهم ما يلائمه، كماً وصنفاً، دون أيّ إحراج على الضيف أو المُضيف!. لكن سرعان ما سرقت الفنادق الابتكار، وحوّلته من هدفه الأصلي إلى هدف الربح الفاحش من المستهلكين الغلابة، مثلي ومثلكم، مستغلةً طبيعة إعداد البوفيه من مأكولات ومشروبات كثيرة ومتنوعة، من الحساء والسلطات والوجبات والحلويات، ممّا لا تكلّف الكثير من المال، ومُعدّة بكميات قليلة لكلّ منها، وتكفي غَرْفةٌ من كلٍ منها للكثير من الناس، بل وتفيض بما يمكن حفظها وإعادة استخدامها لاحقاً!. ويخبرني أحد المتخصّصين الفندقيين أنّ حفلات البوفيه في الفنادق تدرّ عليها أرباحاً هائلة بما يزيد عن إيجار الغرف!. يا للهول، عليّ أن أستأذنكم الآن، فبينما أنا أكتب هذا المقال بجوار البوفيه، انهمر الناسُ كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من علِ، على صينية الجمبري، طبقي المفضل، يغرفون منه بخمستهم وعشرتهم، وكادوا يمحون أثره من الوجود، فدعوني أدرك بعضه، لئلاّ أُسْتغفل كمستهلك مرتين، مرّة من أمثالي المستهلكين، سامحهم الله، بقضائهم على الجمبري، ومرة وهي الاستغفال الأكبر، من الفنادق التي أصبحت وأضحت وأظهرت وأمست إمبراطوريات مغلقة ومستقلة بعيداً عن الضبط والمراقبة، فتبالغ في أسعارها أينما وكيفما ووقتما تشاء، لا تهمها جهة ولا تكترث لفرد!. تويتر: T_algashgari @T_algashgari algashgari@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (47) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain المزيد من الصور :