أشرت في المقالة السابقة إلى التأثير الذي تحدثه مقاطع الفيديو في الرأي العام، وإلى الأدبيات السائدة، وقلت إنني سأرجئها إلى حديث آخر، سيكون عبر هذه المساحة، التي أثق في أنها لن تفي الموضوع حقه؛ ولكن حسبنا أن نشير إلى إحدى الآداب المغيّبة في استخدام تسجيل المقطع، وأهمها وأخطرها، وهي انتهاك خصوصية الآخرين من خلال تصويرهم دون إذن، أو في أوضاع وحالات ليست بالمشينة، ولكنها تندرج ضمن إطار الخصوصية، التي يرفع فيها الصديق الكلفة، والتحفظ مع صديقه، أو زميله، أو قريبه، فيفاجأ بتوثيق لحظة الاصطفاء وتسريبها. ومما يحضر هنا قصة تروى عن معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، رضي الله عنهما، حيث كانا جلوساً، فسأل معاوية صاحبه: ما ألذ العيش؟ فقال عمرو: ليخرج من ها هنا من الأحداث «صغار السن»، فلما خرجوا أجاب عمرو بأن ألذ العيش في رفع الكلفة بين الأصحاب. ولنا أن نستخلص من القصة السابقة عديداً من الفوائد، سواء في التربية، أو الحياة، لعل أهمها أنه ليس كل ما يعرف يقال، وأن للمجالس خصوصيتها، وأن للنشء محاذير تراعى، وآداباً تصان! فما بالنا أفقدنا المجالس خصوصيتها، وأمانها، وعفويتها؟ وأصبحت الكلفة مرفوعة على الدوام حتى افتقدت لذتها، ولم يعد حصولها يسيراً إلا بمزيد من الإيغال حدَّ التبذل، وامتهان الأسرار، وخصوصية الأستار. ليعرف مَنْ يتداول الفيديو أنه تقع عليه تبعاته سواء كان ادعاء، أو تضليلاً للرأي، أو زرعاً للضغينة، أو اقتحاماً للخصوصيات، ولك أن تتصور امرأة تقاضي زوجها بعدما سجلت «خناقة» معه، وضبطت لحظات غضبه منها، كما نُشر في إحدى وسائل الإعلام مؤخراً. فيا أيها المتطفلون: إذا وصل الحال بنا إلى أخذ المحاذير في بيوتنا، وساعات راحاتنا، فأين تضع الثقة رحالها؟!