هناك دعوات دولية ومثلها عربية والأبرز منها اليوم خليجية، تنادي بالحوار مع إيران والبحث عن حلول ومخارج من الأزمات التي تعاني منها منطقتنا.. نعم إن الحوار من حيث المبدأ يبدو خطوة إيجابية تسير في الاتجاه الصحيح. لكن هل إيران فعلاً جادة لما تروج له وهل هي مستعدة لحوار يؤدي الى خطوات إيجابية يرافقه نضج سياسي وخصوصا بعد ان أغلقت مفاوضات ملفها النووي تقريبا والذي يوضع تحته اكثر من خط. ام كالعادة هي مناورات سياسية موقتة ترى طهران انه لابد من استخدامها في هذه الآونة لالتقاط الانفاس وإعادة ترتيب أوضاعها والتراجع خطوات لتنقض من جديد. إيران اليوم تريد ارسال رسائل تطمينية للغرب والمنطقة وإشاعة الانطباع الإيجابي عنها وعن ان نواياها ليست الا سلمية وانها تريد الاندماج بمحيطها. وكل هذه الخطوات الغرض منها ان تكسب رصيدا في النادي الغربي وبأنها دوله متطلعة لمستقبل اكثر استقرارا وتطورا وان هذا الحوار يأتي اليوم نتيجة لنجاح الحوار الإيراني الغربي ونجاحه معها. فلذلك إيران تريد ان تقول إنها مقبلة على التغيير، كذلك تريد ان تعطي املا لمن يظن ان جمهورية إيران الثورية، مستعدة لطي صفحة الماضي ومقبلة على مرحلة جديدة. ومن شأن هذه الرسالة أن يقرأها اكثر من طرف في المنطقة وبالطبع لكل منا طريقته في قراءتها وفقاً لمعرفته الجيدة بهذه الدولة الثورية. ووفقا لأعمالها التي نراها بشكل يومي على ارض الواقع. ولأن هذه القراءة ستكون متباينة فإن إيران تعول على ذلك بأن تتشتت الجهود فيما بين الدول الخليجية والعربية وينشأ على اثرها الخلاف حول دعوت إيران المشبوهة هذه. أيضا، نعرف ان الاتفاق النووي وان صح التعبير مازال مكتوباً بقلم الرصاص حتى تتم عليه الموافقة عبر الكونغرس الأمريكي. فبهذه الطريقة تحاول طهران عدم اثارة المسألة وعدم توتير المنطقة لتعود اطراف المنطقة المتضررة من هذا الاتفاق السيئ. لتستخدم ما لها من رصيد في التأثير في الدوائر العالمية لتعطيل هكذا اتفاق وخصوصا كما ذكرنا ان هذا الاتفاق ليس سليما من الثغرات. فشراء الوقت عامل تريد الاستفادة منه دولة الملالي حتى تكتمل خطتها ويمر مشروعها. كذلك لا يفوتنا، ان إيران تريد امتصاص نكسات حلفائها في اكثر من مكان سواء في اليمن ام في العراق ام في سوريا. فلذلك تحاول جاهدة تعطيل المجهودات العربية والخليجية ووضع عصا -ما تسميه بالمفاوضات او الحوار- في دواليب انتصاراتنا التي تظهر بشكل أوضح على ارض اليمن. فستحاول عبر وسطائها وخصوصا من خليجنا ان تفاوض على ذلك وان تحاول في البحث عن تسويات سياسية ومقايضات ظنا منها ان صناع القرار السياسي لدينا لا يدركون خطوات إيران المكشوفة والتي عفا عليها الزمن والتي لم يعد لها رصيد سياسي حقيقي. هذه ابرز النقاط التي قد نرى فيها محاولة إيران للمناداة بهذه الحوارات والعودة لاستخدام قناع الاخوة الإسلامية وحسن الجوار التي نادى بها روحاني وظريف. وبعدها يطل خامنئي بوجه إيران الحقيقي ويعلن عن خطتهم ونهجهم في دعم حلفائهم في المنطقة. المتابع الجيد لنشاط إيران في المنطقة يعرف انها لا تسعى لحوار، وانما تريد الاستفادة من الوقت ومن الأموال التي تقارب 200 مليار التي سيفرج عنها بعد توقيع الاتفاق النووي بعد رفع حظر العقوبات. ومن يعرف إيران جيدا يعرف انها ستستخدم هذه الأموال ليس على داخلها وتطوير منشآتها الخدمية والصحية وبنيتها التحتية. وانما لاستكمال مشروعاتها التوسعية ودعم مليشياتها الإرهابية في دول الخليج ولبنان وسوريا واليمن. قبل أيام استقبلت موسكو وبشكل مثير للتساؤلات قاسم سليماني في خطوة غير مسبوقة كذلك ابرام موسكو مع طهران صفقات سلاح كبيرة من شأنها تأجيج المنطقة والكشف عن نوايا إيران المستقبلية. واذا استعرضنا اليوم ما تفعله إيران على ارض الواقع، نراها في سوريا تستمر في مساعدة نظام بشار بلا هوادة ولا تقبل بتنحيه او تقبل بحل المسألة السورية على مبدأ سياسي. فقد طلبت الرياض بخروج المليشيات وإيران وان يكون الحل سورياً - سورياً، وبما ان إيران هي المسيطرة على سوريا لم ولن تقبل بذلك. بل ان إيران تفاوضت مع الثوار في الزبداني وفي هذه القضية بالذات افصحت عن نواياها الطائفية المقيتة. فقد عمدت الى ان يكون هناك هدنة لأيام وكانت تخطط من خلال هذه الهدنة الى افراغ المدينة ليس فقط من مقاتليها بل يتعدى ذلك الى اخراج مدنييها من السنة واستبدالهم بمواطنين شيعة. وهذا تغيير ديموغرافي جغرافي على أساس طائفي بحت. وما زيارات ظريف الى سوريا ولبنان بتلك الدبلوماسية وانما للبحث عن المزيد من الدعم والتصعيد وقد يكون التجهيز لمراحل مقبلة يطلب فيها من حزب (حالش). ان ينفذ عمليات داخل بلداننا الخليجية كما رأينا ذلك في البحرين في عملية سترة. وكذلك الخلية التي ضبطت قبل أيام في الكويت والتابعة لحزب (حالش) ومليشياته الإرهابية. واذا التفتنا الى العراق سنجد ان بغداد على اعتاب ان تتنفس الصعداء وتلفظ تبعية إيران التي اذاقتها المرارة والخسارة والفقر وضياع الأمن. وما ان ثار الشعب ورأينا تغيرات العبادي حتى ظننا بأن هناك تغييرا قد ينقل العراق الى عراق الماضي او عراق جديد. الا ان طهران لن تسمح بثورة خضراء عراقية لتصحيح المسار. فها هي استقبلت المجرم الأول المسؤول عن خراب بغداد وسرقة أمواله وقتل مئات الالاف والزج بالأبرياء في السجون وتلفيق التهم بحجة الإرهاب. وكل ذلك على أساس طائفي مقيت تفوح منه رائحة طهران فالمالكي كان خادم إيران الأول والابرز لسنوات حكمه في دورتين سابقتين. وتعود طهران اليوم وتمنحه الحصانة بعد ان أراد برلمان العراق وشعبه محاكمته على فساده واقصائه بل والهروب من الموصل. نعم هو من اعطى الأوامر بذلك وهو المسؤول عن ذلك الهروب وعن اخراج الآلاف من السجون وعن اطلاق ايدي العشرات من المليشيات الإرهابية التي تنتمي لمذهبه ولإيران. وستعمل إيران على اجهاض هذه المظاهرات التي قام بها المواطن العراقي سنيا وشيعيا للمطالبة بحقوقه وبالمستوى الأدنى من خدمات في الكهرباء وغيرها في ظل درجة حرارة عالية وصيف لاهب. وستعمد طهران الى التزوير والحيل كعادتها فستقوم مع الحكومة العراقية الان التي مازالت تابعة لطهران الى الدعوة الى انتخابات مبكرة وهذا ما تريده طهران لأنه سيصب في مصلحتها. لأن اكثر السنة مهجرين بالإضافة الى المناطق التي يسيطر عليها داعش والذي لن يسمح لهم فيها بالتصويت، وعندها سيكون لهم بالكاد أصوات تمثلهم حقيقة. اذن إيران، حتى الان لا تكف يدها ولا ترعوي وسائرة في سياستها العدائية. وفي اليمن تواجه إيران مأزقها الأكبر لان هناك بفضل الله عاصفة حزم تدك مواقع الانقلابيين الإرهابيين والتقدم يوم بعد يوم يظهر ذلك. وهنا تحاول إيران استخدام سياستها الخارجية باستخدام نفوذ حلفائها ومن تفاوضوا معها على الملف النووي لعلها تجد لحوثييها مخرجا. وهي تخطط في اليمن ان يبقى الحوثي في صعده بدون ان ينزع سلاحه وان يتم اشراك الالاف منهم في الجيش وفي الامن. نسخة مكررة من حزب (حالش) في لبنان. وهذا هو الحوار الذي تريده إيران. اذن، ما العمل مع إيران اذا كانت بهذه الطريقة وبهذه السياسة العدائية. لا شك ان هناك حلول عدة أولها التفاوض مع إيران من موقع قوة وليس اقل من الندية. الحصول على السلاح النوعي والنووي سيجعل دولة الثورة الخمينية تفكر كثيرا قبل ان تقدم على شيء. كذلك عند الحوار معها علينا ان نذكرها انها ليست جنيفا او احدى الدول الاسكندنافية. فلا نراها اكثر من (خربة غزالة) مع احترامنا لأهلنا فيها. فنحن نعرف نظرة الفرس للعرب. والمؤسف في هذه القضية ان هناك من سموا انفسهم بالقوميين والناصريين والشيعة العرب ويسمعون طهران وهي تنظر اليهم هذه النظرة المتعالية الا ان ذلك لا يحرك عندهم ساكنا عندما تنتقص طهران من قيمتهم وعروبتهم. أيضا ان اردنا ان نتحاور مع إيران علينا ان نذيقها بأس تدخلاتها في مناطقنا وبلداننا وذلك بتحريك المكونات الداخلية في كل إيران وإلهابها. فإيران فيها من البؤس والفقر والظلم وتعدد الاثنيات والاعراق والمذاهب ما يكفي ليسقطها من داخلها. وعلينا ان نتعامل بالمثل مع سياساتها العدوانية البعيدة عن احترام الجوار وعن احترام عدم التدخل في شؤون الغير. إيران لا تفهم الا ذلك فعلينا ان نستخدم نفس الطريقة لعلها تفهم. فلقد اضعنا فرصة عندما كانت هناك ثورة خضراء وإرادة شعبية لرفض سياسة الملالي. اليوم علينا ان لا نكرر اخطاءنا وننتقل اليوم من مرحلة الدفاع الى الهجوم. إيران لا تستحي من اعلان عدائها ولا رغبتها في قتلنا حتى أصبحت أغاني يطربون لها. اذا أردنا الحوار وأردنا له النجاح فلنستعد لكل الخيارات بكل قوة وحزم. عندها إيران ستقبل الحوار وعلى طريقتنا نحن. *محلل سياسي وأستاذ أكاديمي بمعهد الدراسات الدبلوماسية