هل تعرف ما القراءة الانتقائية؟، إن كنت تعرف ومصر أن تحمل هذه القراءة أينما ذهبت فهذه مصيبة..!، و إن كنت لا تعرف بأنك تحمل نقمة القراءة الانتقائية معك أينما وليت وجهك، فالمصيبة أكبر.!. لماذا هي نقمة؟، لأن لكل قراءة محصلة، ونتيجة تعود على القارئ، تصبغ شخصيته وتستقر في اللاوعي لديه، ونتيجة مثل هذه القراءة، أسئلة مغلقة، مسكونة بلغة التكفير والإقصاء، والأنا المتضخمة .!، التي ترى بذاتها محور الكون، لا لإنجاز قدمته للبشرية، ولكن لتصنيف تصنف به البشر، وفق أحادية الرأي والقراءة الواحدة التي تنظر بها للآخر أيا كان ذلك الآخر، سواء كان شريكا وطنيا أم قوميا. وحتى إنسانيا، فهي تقف منه، وفق ثنائية تصنفه بها (مؤمن - كافر، حزبي - مستقل، رجعي - تقدمي .. الخ)، وتتقارب منه، متى طابق رأيه قراءتها. وقد تجد الكثيرين من «المستقلين» أي الذين لا ينتمون لذات القراءة الانتقائية، أكثر تفانيا وخدمة لمجتمعاتهم، ومع هذا ينكل بهم ويضيق عليهم من قبل هذه الفئة بمجرد وصولها لسلطة، أو امتلاك المنبر المؤثر في المجتمع، لأنهم لا يمثلون قراءتها، إضافة الى أن ميزان حكمهم على أي مستقل عنهم، ليس القيمة الفعلية التي يقدمها لمجتمعه، وإنما هل هو يمثل انتماءهم لذات القراءة، أم هو يمتلك قراءة مستقلة؟. وهؤلاء الانتقائيون عرفوا في تاريخ الأمم السالفة، استطاعت أمم أن تتخلص منهم، أو تٌحيدهم على أقل تقدير وتبعدهم عن مواطن التأثير والسلطة، سواء كانت دينية أم قومية علمانية، وفشلت في ذلك التحييد أمم أخرى. وهذه القراءة الانتقائية التي لا تقبل بغيرها، لا يدور في ذهن البعض أنها تخص مجتمعا، أو أتباع دين دون آخر، إنها تكاد تكون حالة مرت بها غالبية الشعوب والأمم، هناك من تغلب عليها وهناك من ما زال يرزح تحت تأثيرها، وهي قد تلبس لباس الدين، أو لباس القومية أو الايدولوجيا، أو المذهب، أو العرق، كما هي النازية في ألمانيا، وفي الايدولوجيا، تجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي سابقا، ولدينا في الوطن العربي البعث العراقي والبعث السوري، وفي الحالة الدينية تجربة طالبان، وجميع هؤلاء احتكروا قيادة المجتمع، وموقفهم كان واحدا رغم اختلاف منطلقاتهم، أنا الحقيقة، ومن يعارضني فله الطوفان، ولهذا تجد ذوات المنتمين لهذه القراءة المنغلقة المتزمتة، متضخمة، وتملك من الحصانة ما لا يخطر على بال أحد..!. ألم يقل الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أحد اجتماعات حزب البعث «من يصبح بعثيا حقيقيا تكون له حصانة .....».!!، وهو كلام غير مقبول قطعا، ولكنه نتيجة ماذا؟ نتيجة طبيعية للقراءة المتزمتة، فصدام لم يكتف بأن حزبه يقود المجتمع، بل يريد أن يمنح أعضاء الحزب مكانة خاصة. وهؤلاء في الغالب (الانتقائيون) عصيون على التغيير من الداخل، أي من داخل أفراد المنظمة التي ينتمون إليها، ولهذا دائما ما تأتي قوة من خارج هذه المنظومة، تطيح بقراءتهم، لتقيم قراءة إما متصالحة مع المجتمع، أو قراءة متزمتة، تحمل صفات القراءة الماضية، ولكن بعنوان مختلف. يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الهام جدا «الإنسان المهدور» واصفا حالة هؤلاء المنغلقين على قراءة واحدة «إن التزمت والحجر على الفكر من خلال التحريم والتجريم، وكذلك التلقين وفرض الجواب الواحد الصحيح، تؤدي إلى تصلب الدماغ، وتردي كفاءته من خلال تقلص تشبيكاته العصبية الناتج عن قصور نمو الشجيرات العصبية وتدهورها» وتعقيبا على كلام الدكتور مصطفى حجازي، تلاحظ أن الكثيرين، من هؤلاء الحاملين للقراءة الانتقائية، بمجرد ذهاب السلطة عنهم، أو الجماهير، يتحولون إلى أناس، إما عدائيين تجاه مجتمعاتهم، أو منزوين عن المجتمع، وفاعليتهم شبه منعدمة وتقارب نقط الصفر، ليختفي ضجيجهم الذي كان يملأ الأسماع، فهم غير قادرين، أن يفكروا خارج هذه القراءة. فلقد تكلست عقولهم من جراء «فرض الجواب الواحد الصحيح». إضاءة أحكم على الشخص من أسئلته لا من أجوبته فولتير