جنيف: «الشرق الأوسط» يهدف أي اتفاق أولي لكبح برنامج إيران النووي إلى أن يصعب على إيران صنع قنبلة نووية، لكنه قد يترك لها، على الأقل في الوقت الحالي، مواد كافية لصنع عدة رؤوس حربية نووية إذا خصبت لدرجة أعلى، وذلك وفقا لتقرير أعدته «رويترز». وفي دلالة على مدى تطور النشاط النووي لإيران في السنوات القليلة الماضية، يبدو من غير المرجح أن يحقق الاتفاق الذي يجري بحثه في جنيف هذا الأسبوع هدفا محوريا، أخفق اتفاق فاشل مماثل في تحقيقه في 2009، ألا وهو خفض مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى ما دون الكميات اللازمة لصنع قنبلة إذا خصبت لدرجة أعلى. وفي حين لا تزال تفاصيل النص الذي يجري التفاوض بشأنه في جنيف بين مسؤولين كبار من إيران والقوى العالمية الست، سرية - يبدو أنه يركز في الأغلب على وقف تخصيب اليورانيوم لدرجة أعلى وإنهاء تهديد تلك المواد. ويرجع هذا إلى أن التخصيب إلى مستوى تركيز انشطاري 20% - مقارنة مع 5.3% اللازم عادة لتشغيل محطات الطاقة النووية - يشكل أغلب العمل الضروري للوصول إلى مستوى 90% الذي يستخدم في صنع الأسلحة. وقال مسؤول أميركي كبير، إن محادثات جنيف تهدف إلى ضمان ألا يتقدم برنامج إيران، بل ويتراجع في بعض الحالات، بهدف إتاحة الوقت أمام المفاوضات بشأن تسوية نهائية للنزاع، المستمر منذ عشر سنوات. ويقول دبلوماسيون إنه بموجب ترتيب الخطوة الأولى هذه، سيتعين على إيران وقف التخصيب إلى مستوى 20% وتحويل مخزوناتها، البالغة نحو 200 كيلوغرام حاليا من غاز اليورانيوم، هذا إلى شكل أكسيد أو إعادة مزجه بيورانيوم غير مخصب لخفض مستوى النقاء. وقد يطلب من طهران أيضا خفض إنتاج اليورانيوم المخصب لمستوى 5.3% - الذي تقول إنها تحتاجه لتشغيل مجموعة تزمع إنشاءها من محطات الطاقة النووية - من خلال خفض عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة التي تستخدم في التخصيب. لكن الدبلوماسيين لم يتطرقوا بالذكر، بشكل محدد، إلى مخزونات إيران المتنامية من اليورانيوم منخفض التخصيب التي ارتفعت لأربعة أمثالها منذ 2009 لتصل إلى كمية، يعتقد الغرب أنها تكفي لصنع أربع قنابل أو أكثر إذا جرت تنقيتها إلى المستوى اللازم لصنع الأسلحة. لكن شاشانك جوشي، خبير شؤون إيران لدى المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن، قال إن الاتفاق المقترح يمكن رغم ذلك أن يضاعف المدة الزمنية أمام إيران لصنع مواد انشطارية لازمة لإنتاج سلاح واحد. وأعطى كليف كوبشان، محلل شؤون الشرق الأوسط لدى «أوراسيا فروب» لاستشارات المخاطر، تقييما مماثلا، وقال إنه يعتقد أنه سيكون اتفاقا جيدا جيدا للولايات المتحدة. وقال إنه سيكون من الأسهل بكثير رصد أي مساع لامتلاك مواد انشطارية لازمة لصنع سلاح. ولم يذكرا أي تقديرات محددة للفترة التي قد تحتاجها إيران لتجميع قنبلة، قبل أو بعد التوصل إلى اتفاق. وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن أي اتفاق في جنيف من شأنه أن يتيح شهورا إضافية فيما يتعلق بقدرة إيران على انتهاك نظام معاهدة حظر الانتشار النووي وتسليح عملية التخصيب إذا اختارت فعل ذلك. لكن أولي هاينونين، كبير المفتشين النوويين السابق بالأمم المتحدة، شكك في التلميح إلى أن الجدول الزمني يمكن أن يؤخر لشهور. وحذر معهد العلوم والأمن الدولي الأميركي، الشهر الماضي، من التقلص المطرد في الوقت اللازم لصنع مواد انشطارية لصنع سلاح نووي إذا زاد تطور برنامج إيران. وقال إن إيران يمكنها صنع الكمية اللازمة لصنع قنبلة، التي تبلغ 25 كيلوغراما من اليورانيوم عالي التخصيب، في فترة قصيرة قد تتراوح بين شهر و6.1 شهر، إذا استخدمت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%. وأضاف أنها قد تحتاج وقتا أطول إذا كانت تمتلك المواد منخفضة التخصيب فقط، لكنها قد تتمكن من فعل ذلك خلال 9.1 إلى 2.2 شهر، وقال إنه يمكن لطهران إنتاج ما يكفي من اليورانيوم اللازم لصنع أربعة أسلحة نووية باستخدام مخزونها الحالي من اليورانيوم منخفض التخصيب. ولا تشمل التقديرات الجهود اللازمة لإنتاج سلاح نووي قابل للاستخدام، التي تتمثل في تجهيز اليورانيوم عالي التخصيب وتركيبه في رأس صاروخي، وهو ما يعني تجهيزه للإطلاق نحو هدف. وقال تقرير المعهد إن الوقت الإضافي قد يكون كبيرا، لا سيما إذا أرادت إيران صنع رأس حربي قوي لصاروخ متعدد المراحل. غير أن التجهيزات ستجرى، على الأرجح، في مواقع سرية، وسيكون من الصعب رصدها. وقال أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب بلغ 7154 كيلوغراما في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، بزيادة تبلغ 380 كيلوغراما خلال الشهور الثلاثة الماضية، رغم أن الجمهورية الإسلامية أوقفت توسيع طاقة التخصيب خلال نفس الفترة. وفي أواخر 2009، عندما توسطت الوكالة في اتفاق لمقايضة الوقود مع إيران، كانت تلك الكمية تبلغ نحو 1800 كيلوغرام. وكان الاتفاق سيلزم طهران شحن 1200 كيلوغرام إلى الخارج والحصول في المقابل من الخارج على يورانيوم مخصب بنسبة 20% لتشغيل المفاعلات النووية، وهو ما يترك بحوزتها أقل من الكمية اللازمة لصنع سلاح نووي واحد التي تبلغ أكثر من 1000 كيلوغرام. وكان الغرب يتصور خطة مقايضة الوقود كسبيل لتبديد انعدام الثقة والمساعدة في تمهيد الطريق أمام مفاوضات أوسع بخصوص برنامج طهران النووي على غرار محادثات الأسبوع الحالي. لكن خطوة بناء الثقة تلك انهارت بعدما تراجعت إيران عن الشروط. وبدأت طهران في مطلع عام 2000 تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20%، وهو الجزء الذي تسعى القوى العالمية حاليا لوقفه من برنامجها النووي. وربما كانت تلك التطورات حاضرة في ذهن المسؤول الأميركي الكبير وهو يقول: «إن أي اتفاق هذا الأسبوع ينبغي أن يمنحنا بعض الوقت لإجراء محادثات بشأن تسوية أوسع نطاقا لضمان سلمية برنامج إيران النووي». وقال علي واعظ، الخبير النووي في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، إنه يعتقد أن أي اتفاق في جنيف سيتصدى لكل أوجه برنامج إيران النووي، بهدف تجميده في مساره، وبالتالي من المرجح أن يتناول قضية اليورانيوم منخفض التخصيب أيضا. وأضاف واعظ أنه بافتراض أن الاتفاق سيطيل المدة اللازمة لإيران لصنع مواد انشطارية لإنتاج سلاح نووي، فإن غياب أي تخفيض مهم في المخزون لا يتوقع أن يمثل مشكلة.