دبت الحياة مجدداً في أسواق اللوحات الفنية في العالم، التي بدأت تشهد انتعاشاً ملحوظاً في مبيعاتها هذه الأيام بعد الركود الذي ألقى بظلاله على القطاع طول العام الماضي 2012. فخلال النصف الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري باع مزاد كريستي في نيويورك في يوم واحد ما قيمته 691.6 مليون دولار لعدد من اللوحات الفنية، ليجني بذلك أكبر مبلغ مالي في مزاد واحد في يوم واحد. وفي شهر مايو الماضي بلغت قيمة مبيعات عدد من المزادات الفنية في نيويورك وخلال أسبوع واحد أكثر من مليار دولار. والمبيعات كانت مجموعة محدودة من اللوحات الفنية التي تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإلى ما يعرف بالفن المعاصر. وشهدت الأيام الماضية بيع ثلاث لوحات وهي الثلاثية لفرنسيس بيكون بـ 142.4 مليون دولار، والصرخة لأدوارد مونش بـ 120 مليون دولار، ولوحة لبيكاسو بـ 106 ملايين دولار. رسالة واحدة يتضمنها هذا الهجوم الكبير من أصحاب الملايين والبلايين على سوق اللوحات الفنية، ومضمون الرسالة لدينا ثقة كبيرة بأن الاستثمار في الأعمال الفنية استثمار ناجح ومربح. ويعلق توماس هادلي وهو رسام سابق ويعمل وسيطا في بيع اللوحات الفنية لـالاقتصادية بالقول: بعد التراجع الذي حدث في عام 2012 في مجال بيع اللوحات الفنية، ها هي السوق تنتعش مرة أخرى. ويضيف ما يحدث من انتعاش يعني أن كبار الأثرياء في العالم يدركون أن الاستثمار في مجال اللوحات الفنية لكبار الرسامين استثمار مربح في المستقبل، فنحن لم نخرج من الأزمة الاقتصادية بعد، ولربما تقوم حسابات من يشترون تلك اللوحات أن الأسعار، ورغم أنها تقدر بعشرات الملايين من الدولارات تعد منخفضة حاليا، وأنه بمجرد انتعاش الوضع الاقتصادي فسيكون هناك إقبال كبير على اللوحات الفنية وسيكون بمقدورهم إعادة بيعها وجني عدة ملايين كأرباح. أجواء التفاؤل الراهن في سوق الأعمال الفنية، ومعدل الربح الممكن جنيه سيتوقف على عدد من العوامل في مقدمتها نوعية اللوحات التي يتم الاستثمار فيها وقيمتها عند الشراء. وينصح المعنيون في هذا المجال بأن يتم الاستثمار في اللوحات التي تقل قيمتها عن 100 ألف دولار بدلا عن اللوحات التي تقدر بالملايين. فمعدل الربح عند إعادة البيع بالنسبة للوحات التي تقل عن 100 ألف دولار يبلغ نحو 6 في المائة، والتي يتراوح سعرها بين 100 ألف ومليون دولار يبلغ 4 في المائة، بينما يبلغ العائد على اللوحات التي تتجاوز المليون دولار 2.5 في المائة. وينصح الناقد الفني جون بابورث أن يستفيد الراغبون في الاستثمار مما يطلق عليه الظاهرة الصينية، ويقول للاقتصادية: ارتفاع مستويات المعيشة في آسيا عموما والصين على وجه التحديد، وتراكم الثروات فيها وبروز طبقة قوية واسعة من المليونيرات يدفعهم إلى الاستثمار في المقتنيات الفنية، فزوجات الأثرياء يريدن أن يزين جدران صالونات منازلهن بلوحات وقطع فنية نادرة وفريدة، ولذلك يقبلن على شراء اللوحات الفنية لكبار الرسامين العالميين، كما أن تنامي الشعور القومي، خاصة في الصين يدفع كبار الأثرياء إلى إعادة شراء وجمع القطع الفنية الصينية التي خرجت من الصين في القرون والعقود الماضية سواء كانت من السيراميك والبرونز واليشم، ويضيف: الاسم الشائع على العديد من القطع الفنية الصينية الآن هو الجميلة النائمة فهذه القطع كانت أسعارها منخفضة وثابتة، ولكن دخول الأثرياء الصينيين إلى السوق دفع الأسعار إلى الأمام، وآخرها وعاء صيني من الفخار كان سعره 200 جنيه استرليني وظل هكذا لسنوات، لكن بيع أخيراً بـ 37 ألف جنيه استرليني. وقد أضحى السباق على الأعمال والقطع الفنية مثار اهتمام كبير في وسائل الإعلام الكبرى في الآونة الأخيرة. فالأرقام الضخمة التي تباع وتشترى بها هذه المقتنيات دفعت العديد من القنوات التلفزيونية إلى نقل مزادات بيع اللوحات الشهيرة على الهواء مباشرة باعتباره حادثا مثيرا للمشاهدين. فقد بثت القنوات البريطانية واليابانية أحداث المزاد الذي أجري على لوحة للفنان الهولندي فان جوخ والتي تعرف بعباد الشمس. والتي بيعت بما يزيد على 40 مليون دولار. إلا أن الأرباح المالية الكبيرة التي تتحقق جراء عملية تداول اللوحات والأعمال الفنية باهظة الثمن يقابلها أيضا نفقات باهظة للغاية، خاصة في البلدان الرأسمالية عالية التطور. فمقابل كل لوحة يتم بيعها تفرض ضرائب مرتفعة من قبل الدولة على الأرباح الرأسمالية المحققة، إضافة إلى المصروفات واجبة السداد لدار العرض أو المزاد الذي باع تلك اللوحة، وبطبيعة الحال التأمين على العمل الفني وكذلك مصاريف النقل والحماية، أضف إلى ذلك أن أغلب اللوحات الفنية التي تقدر بعشرات الملايين لا تترك معلقة في الغرف والصالونات للزائرين بل يتخذ في سبيل الحفاظ عليها ما يتخذ من إجراءات أمنية لحماية الماس والذهب. وعلى الرغم من ذلك، فإن توماس هوستن الخبير في مزادات اللوحات الفنية يعلق لـ الاقتصادية قائلا: رغم ارتفاع المصروفات والضرائب على الأرباح المحققة على بيع الأعمال الفنية، إلا أن صافي الربح يعد جيدا للغاية، خاصة في الأعمال والقطع الفنية التي تقفز أسعارها بمعدلات كبيرة، فمثلاً إحدى لوحات كريستوفر والتي بيعت عام 2010 بنحو 602 ألف دولار، وفي الأسبوع الماضي بيعت مرة أخرى بنحو 2.1 مليون دولار لتحقق بذلك عائدا مركبا يقدر بـ51 في المائة سنوياً، وحتى بعد خصم المصاريف والضرائب فإن معدل الربح المحقق مرتفع للغاية إلا أن توماس يحذر الراغبين في الاستثمار في هذا المجال بالقول: الذين يعتقدون أن بإمكانهم الاستثمار في الأعمال والقطع الفنية من خلال شرائها ثم بيعها مرة أخرى خلال أيام أو أسابيع قليلة محققين بذلك معدلات الربح التي يطمحون إليها، مخطئين للغاية، فقد يحدث أن تحقق بعض الربح ولكن هذا نادرا، فالسوق لا تقبل هذا النوع من السلوك، وعليك الانتظار ثمانية أشهر على الأقل لتحقق الربح المطلوب.