×
محافظة المنطقة الشرقية

الجمعية السعودية للسكر تطلق حملة للتوعوية حول الحج الآمن بإرشادات صحية

صورة الخبر

انفتح المشهد التشكيلي الإماراتي خلال سيرته مع المتلقي، على أساليب وتقنيات جديدة لتقديم أعماله، فلم يعد العمل الفني رهين الصالات المغلقة، والمتاحف، وغيرها من الأساليب التقليدية، بل راح ينتج علاقة مباشرة مع المتلقي، عبر التوجه العام الذي مضت فيه المؤسسة الثقافية بأكملها في الدولة، والمتمثل في تحويل الفضاء المكاني العام إلى فضاء تشكيلي جمالي واسع. انتبه الفنان التشكيلي الإماراتي إلى الجدران التي تفصل العمل الفني عن المتلقي، حيث راح يهدم فكرة الصالة، و النخبوية القائمة في بطاقات الدعوة، وغيرها من أشكال الانتقاء الثقافي، فظهرت العديد من التجارب الفنية التي تسعى لتعميم الفعل الجمالي على مختلف شرائح المجتمع بشتى مستوياتهم الثقافية، والتشكيلية، إذ صارت الساحات العامة والشوارع، والحدائق، فضاءً رحباَ لتقديم الأعمال الفنية. ظهر هذا الحراك مع انفتاح التشكيل الإماراتي على تيارات الفنون المعاصرة في الساحة العربية والغربية خصوصاً مع عودة بعض الفنانين من بعثاتهم الدراسية في كل من أوروبا وأمريكا، وغيرها من الدول السباقة في الفنون البصرية، إذ يروي الفنان التشكيلي الحداثي حسن شريف في حوار له ل الخليج أنه أقدم على تنفيذ أول معرض في الفضاء العام خلال ثمانينات القرن الماضي، وكان ذلك في السوق الإسلامي في الشارقة، حيث تجمعت أعمال عدد من الفنانين في الفضاء العام، وصار زوار السوق، والباعة أمام دهشة الألوان والأعمال التركيبية الموزعة في المكان. مثلت تلك التجربة السيرة الأولى لخروج العمل الفني الإماراتي من إطار عرضه التقليدي إلى شكل جديد يبدو قريباً من المتلقي وعابراً لكل الحواجز الرسمية والذهنية التي تفرضها سلطة الصالة، ومن ثم توالت التجارب وصارت مشاريع الورش الفنية في الفضاء العام فعلاً سنوياً تنظمه مختلف الجهات الرسمية، والأهلية القائمة على الفعل الثقافي في الإمارات. يمكن القول إن ذلك الانفتاح جاء نتاج حالة التمرد البصري التي عاشها نخبة من الفنانين الرواد في الساحة التشكيلية الإماراتية، إلا أن الأمر توسع إلى ما هو أبعد من ذلك، وأخذ يمتد إلى مخططات ورؤى المؤسسات الثقافية الرسمية في الإمارات، سواء دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، أو وزارة الثقافة، أو هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، وغيرها من الجهات، فالمتتبع لسلسلة النشاطات والمبادرات القائمة خلال العقدين الأخيرين من عمر التجربة التشكيلية يجد فعاليات ومبادرات وأنشطة كثيرة تمضي في هذا السياق. كما يمكن الإشارة إلى أن الفعل الثقافي المؤسسي الموازي للجهود الفردية المتمثلة في طاقة الفنانين أنفسهم، انتبه إلى دور الفن والفعل الإبداعي الجمالي في رسم صورة حضارية للمكان الإماراتي، ورفع ذائقة المجتمع الإماراتي بمختلف مستوياته الثقافية، فتحول الفضاء المكاني لكثير من المدن الإماراتية إلى شبه معرض فني دائم تتوزع فيه المنحوتات على جوانب الشوارع، وتظهر فيه الجداريات على مرأى المارة، وتنظم فيه الملتقيات التشكيلية التفاعلية بصورة دورية. يؤكد ذلك سلسلة من التجارب التشكيلية والفنية في الإمارات، فالعائد إلى مختلف المشاريع التشكيلية التي شهدتها الشارقة يجد أنها كانت حريصة على تعميم الفعل التشكيلي، وتحويل المكان إلى مساحة مشرعة على الفعل الجمالي، وتجلى ذلك مؤخراً في بينالي الشارقة للفنون الماضي، الحاضر، الممكن، حيث استطاع أن يحول المنطقة التراثية في قلب الشارقة إلى فضاء بصري جمالي عبر سلسلة الأعمال التي استغلت الأبنية، ووظفت الشوارع، والبيوت التراثية، لتقديم الأعمال الفنية. ظهر هذا واضحاً في العمل الفني الحداثي الذي حول المبنى التراثي المحاذي لميناء الشارقة إلى سفينة ضخمة تتدلى منها الطوافات، والحبال الثخينة، مشكلاً بذلك صورة جديدة لمعنى العمل الفني، ومقدماً الشكل الجمالي في إطار تفاعلي لا يمكن لمختلف سكان المكان ورواده إلا التوقف أمامه، والتساؤل حول صورته. كما ينكشف ذلك في فعاليات صيف الفنون القائمة هذه الأيام، إذ ينظم المهرجان 231 فعالية متنوعة في مختلف مدن ومناطق إمارة الشارقة، تتنوع بين المعارض الفردية، والدولية والجماعية المشتركة، والدورات التخصصية، والورش التقنية، والندوات، والعروض المتنوعة للفيديو، وغيرها. تستهدف كل تلك الفعاليات ليس لإشراك المجتمع المحلي بأنشطته، وتعميم الفعل التشكيلي وإخراجه من مستواه الجمالي القائم على الصورة أو المنحوتة وحسب، إذ تتوجه هذه الدورة إلى تعميم ثقافة الحفاظ على البيئة من خلال الفن، فلا توزع فعالياتها على مختلف مدن الشارقة، ولا تنفتح على المكان وسكانه بكل شرائحهم وحسب، وإنما تذهب أبعد من ذلك في توظيف تجربة إعادة التدوير في الفن، ليصبح المكان بذلك فضاءً مفتوحاً للمتلقي وفي الوقت نفسه مشاركاً في إنتاج الأعمال الفنية. ولا تتوقف فكرة الانفتاح على المكان الإماراتي عند هذا الحد المتمثل في الفعاليات والندوات، والمعارض وغيرها، وإنما تمتد ليتحول المكان إلى متحف يجمع أعمال فنانين عالميين لهم تاريخهم الطويل في الحركة التشكيلية العالمية، فيصبح الزائر للإمارات أمام سياحة استجمامية وثقافية في الوقت نفسه، حيث مضت دبي في هذا التوجه عبر عدة مشاريع، أبرزها: مشروع وسط المدينة الذي بات هوية و ثقافة لدبي وللإمارات بصورة عامة. جمع مشروع وسط المدينة منحوتات لافتة لفنانين عالميين ووزعها على الحدائق العامة، والشوارع، والمعالم الرئيسية في المكان، فصار السائر في شارع بوليفارد محمد بن راشد أمام عمل للنحات الكوري العالمي جايوهو لي، إذ ينتصب العمل النحتي على ارتفاع 15 متراً مقدماً تحفة فنية مصنوعة من الخشب بتقنية لافتة. وبات المتجول في دبي مول لا يقف أمام مختلف العلامات التجاري العالمية وحسب، بل يقف أمام تحفة فنية نحتية لواحد من أشهر الفنانين المعاصرين في العالم، وهو الفنان الكولمبي فرناندو بوتيرو، إذ تقف منحوتته التي تجسد حصاناً ضخماً منحوتاً في البرونز بأسلوبه المستند على تضخيم الأشكال وتكبير تكوينها، تقف قبالة نافورة المول الشهيرة. إلى جانب ذلك كله يكفي النظر إلى مشروع متحف لوفر أبوظبي، الذي استطاع أن يشكل مكاناً فنياً متكاملاً يمثل مركزاً ذا ثقل ثقافي في المنطقة بأكملها، فالمتحف يعد جزءاً من مشروع ثقافي عملاق في جزيرة سعديات، يشمل ثلاثة متاحف أخرى ومركزاً للعرض، بتكلفة تقدر بنحو 83 مليون يورو. لذلك يمكن النظر إلى مستقبل الإمارات في هذا الإطار، بأنها ستتحول إلى واحدة من مراكز الجذب السياحي الثقافي التشكيلي في الشرق الأوسط بأكمله، فكما هي اليوم من أكثر بلدان العالم العربي سياحة على مستويات مختلفة، فإنها ستكون وجهة للباحث عن جماليات الفن العربي والعالمي.