يستعيد المسرح القومي في القاهرة ألقه بعرض ليلة من ألف ليلة بعد سنوات من الترميم منذ تعرضه لحريق عام 2008، حيث تم تكريم ذكرى الفنان الكبير الراحل نور الشريف. والمسرحية التي كتبها بيرم التونسي (1893-1961) ولحنها المصري أحمد صدقي (1916-1987) يقوم ببطولتها الفنان يحيى الفخراني الذي شغل حضوره فضاء المسرح وهو يتنقل بسلاسة بشخصية شحاتة الشحاذ المحتال مجسدا أدوار اللص والوزير والقاتل. وقال الفخراني قبيل بدء أولى ليالي العرض الليلة الماضية إنه يهدي المسرحية إلى صديقه الذي طالما وقف على خشبة هذا المسرح ممثلا ومخرجا نور الشريف الذي توفي الثلاثاء الماضي عن 69 عاما، مشددا على أن الناس موتى وأهل الحب أحياء. دراما وموسيقى وحضرت العرض المخرجة إنعام محمد علي، كما حضره من الكتاب بهيج إسماعيل وفريدة النقاش وسلوى بكر، ومن السياسيين رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري ووزير الثقافة عبد الواحد النبوي ووزير الدولة للإنتاج الحربي إبراهيم يونس. وقدمت ليلة من ألف ليلة كأوبريت أخرجه للإذاعة المصرية يوسف الحطاب (1922-2014)، وشارك بالغناء فيه المطربون المصريون كارم محمود وشهرزاد وسيد إسماعيل. وتلعب الموسيقى دورا دراميا في المسرحية منذ المشهد الأول، حيث يشارك البطل شحاتة ومساعده وابنته نجف في الغناء، متوسلين إلى المارة بالقرب من أحد المساجد لكي يشفقوا على حالهم ويعطوهم بعض المال، منادين إلهي ما يغلب لك حال/ ولا تمد إيدك لسؤال/ ولا يشمت فيك أعداء/ ولا ييتم لك أطفال. وعرضت المسرحية على خشبة المسرح في القاهرة أربع مرات، كانت الأولى عام 1931 في دار الأوبرا التي احترقت يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 1971، والثانية في المسرح القومي عام 1958، والثالثة عام 1972، والرابعة عام 1994 على مسرح الجمهورية التابع لدار الأوبرا المصرية من بطولة الفخراني أيضا أمام المطربين علي الحجار وأنغام. وقال مخرج العرض محسن حلمي في دليل تعريفي للمسرحية إن هذا النص الذي كتبه بيرم التونسي قطعة نادرة من التراث لا تحتمل التأويل، ويكفي أن صناعها هم صناع الطرب والشعر والموسيقى. تراث خالد من جانبه، قال المدير العام للمسرح القومي يوسف إسماعيل إن المسرح بهذا العرض استعاد أبهى صوره، وعاد الأمل في تقديم خطة فنية طموحة تعيد أمجاد الماضي وتبشر بالمستقبل وتجعل المسرح القومي في المكانة اللائقة به بين مسارح العالم. وصاغ التونسي المسرحية استلهاما لأجواء ألف ليلة وليلة، حيث يلعب القدر دورا في الصعود الطبقي للبعض ودورا تراجيديا في الانتقام من آخرين. وأدت هبة مجدي دور ابنة شحاتة المتسول بإقناع وثقة -تمثيلا وغناء- وتألقت أكثر في الحواريات الغنائية التي جمعتها بالمطرب محمد محسن ذي الرصيد الكبير من أداء الأعمال التراثية، خصوصا من تراث سيد درويش. والمسرحية من الأعمال الفنية العابرة للأجيال بسبب استنادها إلى دراما إنسانية تخلو من المباشرة، حيث يتعلق قلب الخليفة بابنة الشحاذ نجف حين يراها مصادفة، ثم يتنكر في زي بستاني ليتمكن من رؤيتها، ولا تعرف أنه الخليفة إلا في المشهد الأخير حين يسدل الستار.