هل جرب أحدكم كيف يكون، وكيف يتصرف عندما يكون في مأزق؟! أنا جربت ومررت في ذلك المأزق الذي أدعو الله الا يكتبه على بعضكم من الناس الحلوين الطيبين، أما ما عداهم فأتمنى أنهم كلما خرجوا من مأزق يطبون فيما هو ألعن منه. وقد سبق لي أن حبست وحيدا في مصعد لمدة خمس دقائق كاملة، خلتها خمسة أيام، ومن شدة رعبي وصراخي كادت تتقطع حبالي الصوتية، وتصورت وقتها أن ساعة الحشر قائمة لا محالة، وتذكرت عذاب وظلمة القبر، واكتشفت أنني رعديد (بنمرة واستمارة)، وأن كل ادعاءاتي السابقة بالشجاعة أمام الآخرين من هي إلا (خرطي)، إذا جاءت (حزت الله الله). هل تصدقون أنه بعد أن انفتح باب المصعد وشممت رائحة الحرية، انطلقت (ارثع) كأي بعير هامل لا ألوي على شيء، ونسيت حتى أن أقدم الشكر لمن ساهموا بإطلاقي من عمال الصيانة، وأذكر وقتها أنني بعد أن وزنت نفسي، وجدت أنني قد نقصت خمسة كيلو، ولا أدري إلى الآن كيف وأين ذهبت تلك الكيلوات الخمسة دفعة واحدة؟! والذي دعاني إلى تذكر مأساتي تلك هو ما قرأته اليوم عن عجوز أمريكية تدعى (فرجينيا كارتيه)، عندما وقعت عليها خزانة ملابسها وهي وحيدة في شقتها لمدة أربعة أيام، ووجدوها غارقة بدمائها، ومع ذلك كتبت لها الحياة ــ تصوروا!! وحالها أفضل من حالة امرأة مصرية، عندما كشفها زوجها الغيور وهي تتكلم من نافذة المطبخ مع شاب مقابل لها في شقة مواجهة. فما كان من الزوج إلا أن يضربها ضربا مبرحا، وبما أن الزوج يعمل نجارا، فإنه شمر عن أكمامه وأتى بمعداته وتربس كل نوافذ الشقة بالمسامير، ثم كتف زوجته بالحبال، وأغلق فمها (بالبلاستر)، وتركها ملقاة على الأرض كأي نعجة جاهزة للذبح. وخرج وهو أعمى بصيرة يكاد يتميز من الغضب، والدلالة على ذلك أنه اصطدم بسيارته المسرعة بسيارة أخرى نتج عنها أنه فقد الوعي والنطق معا، ولم يعرفوا في المستشفى عن ماهيته شيئا، إلا أنهم بعد أن بحثوا بتلفونه الجوال وجدوا رقم تلفون منزله، وأخذوا يتصلون على ذلك الرقم، ولكن ما من مجيب، رغم أن زوجته المسكينة كانت تسمع الرنين، ولكنها لم تستطع الرد. وظلت ثلاثة أيام بلياليها وهي على تلك الحالة المزرية، ومن لطف الله بها أن استعاد زوجها الوعي والنطق، فأخبرهم عن حالة زوجته، وعندما كسروا الباب واقتحموا الشقة وجدوا (المعتّره) ليست غارقة بدمائها فقط، ولكنها ايضا كانت غارقة بما هو أدهى وأمر ــ أعزكم الله. انتهت تلك المأساة بالطلاق، وحكم على الزوج النجار بالحبس سنة كاملة. إنها ثلاثة حوادث مأساوية، اشنعها وأخطرها على الإطلاق، بالطبع وبدون أي مجاملة، هي المأساة الأولى التي كنت أنا بطلها، والله لا يعيدها. ومن يومها حتى الآن أصبحت أحاذر الركوب في أي (أسانسير)، وأصعد بالدرج حتى لو كنت أصعد إلى الطابق الأعلى في عمارة مكونة من مائة طابق، فالعمر مثلما يقول إخواننا أهل مصر (ليس بعزقة) ــ أو بمعنى أصح (بعزأه) مثل ما ينطقونها.