بلغت سنغافورة هذا الشهر 50 عامًا من الاستقلال، نمت في نصف قرن من مستنقع للبعوض، إلى أعلى دخل قومي في العالم. هل الاستقلال عنصر مهم في التقدم والتطور؟ دولنا في العالم العربي استقلت قبل سنغافورة بعشرين عامًا. نحن في ذيل اقتصادات العالم. سوريا منعتها وطنيتها من السماح لأي شركة غربية بالعمل في أراضيها خوف «التجسس» على حراكها القومي. العراق منع الأجانب من الدخول. سنغافورة أهم مركز لكبرى الشركات العالمية، من الزراعة إلى التكنولوجيا. وسيادتها شبه مطلقة. وليس على أراضيها مقاتلون، لا من الشيشان ولا من داغستان ولا من باكستان ولا من تورا بورا. ولا من أي مكان! لكي تكون حرًا يجب أن تكون مستقلاً، الدول المحتاجة لا يمكن أن تكون مستقلة. الدول التي لا تحافظ على كرامة جيشها بالمحافظة على كرامة رغيفه وبندقيته، لا يمكن أن تكون ذات سيادة إلا في البلاغات الإذاعية. لذلك، عمل لي كوان يو، أولاً، على النهوض بشعبه. وسد أبواب الفساد. ووجد كل من عمل فرصته وثروته. ورمى الثرثارين من النوافذ. ونفى القذارة. وعاقب المهملين بالإهمال. وحمى شعبه من النقاشات الفارغة. وقال لأهله من الصينيين الذين يشكّلون أكثرية الشعب: من يرَ في «الكتاب الأحمر الحل والحياة، فليذهب إلى بكين». قام أحد أبرز نموذجين في العالم، سنغافورة وهونغ كونغ، على قائمتين: النظام البريطاني والكد الصيني. كلاهما طرد البريطاني كمستعمر واستبقاه كنهج. نحن، سميناه «أبو حنيك» و«أبو ناجي». بالمستشارين البريطانيين أنشأت دبي أكبر شركة طيران حديثة. وأغناها. وأنشأت هونغ كونغ أكبر بنك في العالم. وبالاستثمارات الأميركية تتحول فيتنام الآن إلى واحد من أبرز اقتصادات العالم. مضى زمن النابالم والشمس تشرق كل يوم. والشمس التي غابت أمس أخذت معها أمسها. هذه هي سنّة الخلق والخالق. أيام النفوذ السوري المطلق في لبنان دار نقاش عنوانه: هل يكون لبنان – لسوريا - هونغ كونغ أم فيتنام؟ قاعدة اقتصاد حرّ ومتنفسًا كما هي هونغ كونغ للصين أم فيتنام أخرى؟ لم يخطر لأحد: لماذا ليس سنغافورة؟ ما هذا الخيار، إما مقمرة أو مقبرة؟ كان هناك حل آخر أيضًا. أن يظل لبنان، لبنان. وألاّ يتلاقى العرب وإسرائيل في تدمير صيغته ونظامه، ليس حماية له، بل خوفًا على الفسيفساء المشابهة في سائر العالم العربي. تذكروا النغمات التي ظهرت بعد دمار لبنان: من الأمازيغ إلى «شيعة العراق». هذا ما كنا نحاول أن نقوله دائمًا: من أجلكم، لا من أجل لبنان.