×
محافظة مكة المكرمة

مدير تعليم جدة يلتقي بمجموعة يمثلون معلمي المحافظة ويحثهم على البداية الجادة

صورة الخبر

يروي الكاتب الألباني إسماعيل كاداريه في روايته الحصار حكاية طويلة لغزو الأتراك بلاده قبل أكثر من 500 عام ، فاتحاً بذلك الباب على يوميات الحرب بكل ما تحمله من دلالات وتثيره من قضايا ، إذ لا يبدو كاداريه ساعياً لسرد الحكاية التاريخية بأدق تفاصيلها، بقدر ما يبدو متوقفاً عند فكرة الحرب نفسها ، ومفهوم الحياة في ذهن الجندي ، وصورة المجد في عقل القائد ، ونزعة النفس المتسلطة نحو التملك. يظهر هذا في معالجته لمجريات الحصار الذي شهدته قلعة كروبي الألبانية ، إذ يذهب بعيداً عن الصورة التي يرويها الجنود أو قادة المعركة ، ويلجأ إلى نماذج من الشخصيات التي بوسعها رؤية الحرب من زاوية أكثر شاعرية وإنسانية، فلا تحصي عدد القتلى أو صوت السيوف وهي تنغمس في قلوب الجنود ، أو تتحدث عن صوت المدافع ورائحة المعدن المصهور. لذلك يختار كاداريه، شخصية موثق الحرب ، الذي يكتب مجرياتها وفق مشاهداته ، وشخصيات جواري قائد المعركة الأربع ، اللواتي كن النساء الوحيدات بين صفوف الجنود ، والشخصية الأخيرة شاعر الحرب الذي يفقد بصره ويصبح الصوت الحر الذي يصرخ بما يشاء. إلى جانب هذه الشخصيات يقدم كاداريه حكاياته على لسان الكثير من الشخصيات الرئيسية، مثل القائد، والفلكي، قائد الفرقة الإنكشارية، وبعض الجنود الصغار، إلا أنه يستند إلى صورة الحرب وفق رؤية كل من الموثق، والشاعر، والجواري. تمضي الحكاية على امتداد 400 صفحة ، فتنكشف يوميات حصار القلعة، وتظهر حيل الأتراك ، وحنكتهم في الحرب للسيطرة على القلعة، إلا أنها تنتهي على مشهد هروب جواري القائد من ساحة المعركة ، بعد أن تجرع القائد أدوية منومة للهروب من الحصار الذي فرضه ولم يحصل منه على نتيجة رغم كل الحيل والمدافع والجنود الذين لقوا حتفهم. يكاد كاداريه يقول ما ظل الأدب الروائي يسرده طوال معالجته لفكرة الحرب، إلا أنه يتركه عالقاً في ذهن القارئ بصورة قاتمة ، فالأتراك في تلك الحرب ينطلقون في غزوهم من دعوة فكرية دينية ، إلا أن دوافع كل مشارك في الحرب تختلف وتتنوع وفق حاجته ، فالقائد يريد المجد والتاريخ ، والحاشية تريد الغنائم ، والجنود يريدون السبايا. ليس ذلك وحسب فصورة الموت لديهم تختلف ، الجندي لا يريد أن يموت في العتمة ، والراوي لا يريد أن يموت قبل أن ينهي كتابه ، والقائد لا يريد أن يموت أبداً، وفي كل ذلك ينكشف الموت بصورته العميقة المتجردة، مؤكداً بعد كل عملية قتل أن الموت ليس سوى الموت. إلى جانب ذلك يلخص كاداريه مفهوم الحياة بصورة الحصان الذي استخدم للكشف عن مصدر الماء الذي يغذي القلعة ، فالحصان الذي يمضي على فطرته ظل يجري في سياج طويل ، ويلهث رغم السهام التي أصابته وهو في طريقه نحو الماء أملاً بالحياة. جملة واحدة تقولها الحصار، رغم آلاف الجمل التي تسردها : إنها بشاعة الحرب بكل تجلياتها، وصورة الحياة بأعلى مستوياتها. Abu.arab89@yahoo.com