×
محافظة المنطقة الشرقية

صيف أبوظبي يرفع معدلات الإشغال بالفنادق ويعزز السياحة الداخلية

صورة الخبر

في حيّ مدينة نصر (شرق القاهرة) يقع ميدان صغير عرف بـميدان رابعة حيث مسجد رابعة العدوية المسمى على العابدة العراقية الشهيرة، التي يلقبها المتصوفة بـشهيدة العشق الإلهي. ولم يكن يدرك سكان مدينة نصر أن ميدان رابعة سيتحول بين عشية وضحاها، ليكون مسرحاً لأحداث تنتظر تأريخاً حقيقياً، خاصة بعد حقبة 30 يونيو 2013، في انتفاضات شعبية عارمة، أزاحت ـ بعد تدخل القوات المسلحة ـ نظام حكم الرئيس الأسبق، محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر. منطقة عسكرية الميدان المزدحم الذي تغير اسمه منذ أيام بقرار حكومي، حاملاً اسم المستشار العام الراحل هشام بركات، والذي اغتيل على يد عناصر مسلحة، يطل من على أحد نواصيه، مسجد رابعة الشهير الذي أنشئ عام 1993م. وتتشعب من الميدان طرق، أحدها يتجه شرقاً إلى شارع الطيران والحي السابع، وغرباً امتداد الطيران إلى شارع صلاح سالم، حيث مصر الجديدة، وشمالاً إلى اتجاه عباس العقاد والنادي الأهلي فرع مدينة نصر، أما من الجنوب، فالمنصة الشهيرة، التي قُتل ودُفن عندها الرئيس الراحل أنور السادات، على يد متطرفين إسلاميين، في 6 أكتوبر 1981، وكذلك أول كوبري 6 أكتوبر، عبر شارع النصر، باتجاه وسط المدينة، وميدان التحرير.. أو طريق الأوتوستراد الذي يوصل لضاحية المقطم والمعادي وحلوان. منطقة الميدان بالأساس، من أهم المناطق العسكرية في مصر.. حيث توجد من الغرب الأمانة العامة لوزارة الدفاع ومساكن ضباط القوات المسلحة بالإضافة لعمارة كبار قادة الجيش أثناء حرب أكتوبر أمثال المشير أحمد إسماعيل والمشير عبد الغني الجمسي والمشير محمد أبو غزالة، إضافة إلى مصنع قادر الحربي.. وكذا منشآت عسكرية أخرى. كانت أيام سودا كنا نعيش في هدوء، حتى جاء هؤلاء ـ في إشارة للإخوان ـ ونكّدوا علينا.. هكذا قال د. محمود الجارحي (طبيب/ 48 عاماً) وهو يسترجع ذكريات ومآسي الاعتصام الشهير قبل 22 شهراً بالتمام والكمال. يضيف الجارحي بلهجة عامية :كانت أيام سوداء.. شوفنا فيها اللي ما شوفناه مستعرضاً كيف احتلت الجماعة وأتباعها الميدان، وحولوه إلى منطقة عشوائية، وأوضح أنه قد اضطر لهجرة شقته الكائنة بالدور التاسع في إحدى العمارات المطلة على الميدان، والنزوح إلى سكن أهل زوجته، هرباً مما اعتبره ممارسات شيطانية. انقلابيون فعلاً ورداً على سؤال حول روايات بوجود أسلحة مع من اعتصموا، وكذلك تهديدات وعمليات قمع، أشارت سيدة في العقد السادس واكتفت بلقب أم سمير، إلى أنها شاهدت في طريقها العديد من الأسلحة، وتحسرت كيف أصبحت المنطقة الجميلة، مقلباً للقمامة والفوضى. وبينما أضافت أنها كانت تبكي بشدة، وهي تشاهد ما يحدث، تدخل سامح (18 عاماً) بحماسة قائلاً: الإخوان يا بيه كانوا عايزين يعملوها جمهورية، ويفرضوا علينا مرسي بالعافية.. وما إن سمعه شاب لم يتجاوز الثلاثين، وبلحية خفيفة، حتى بادر بالنظر شذراً وتمتم ساخراً وهو يمضي مسرعاً :انقلابيين صحيح.! حالة تقديس وكشف محمّد (22 عاماً) الطالب بجامعة الأزهر، عن حالة تقديس للميدان، حينما قال، إنه حريص على زيارته مرّة كل أسبوع على الأقل، للتيمن، معيداً للأذهان خرافات انتشرت وسط الجموع المعتصمة، منها أن جبريل يهبط كل ليلة إلى رابعة. وتَعزّزَ ذلك بما نشرته وسائل إعلام مصرية، من صورٍ لفتيات محجبات، وشباب ملتحٍ، وهم يسجدون على أرض الميدان، بعد أسابيع قليلة من الفضَّ المثير للجدل، ليكون ذلك مدخلاً لروايات من قبيل الخيال، منها إن هؤلاء قد شمّوا ريحَ الجنّة، فيما سَرَت أقوالٌ منسوبة لبعض أنصار الإخوان، ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مع فيديوهات لشخصيات بين المعتصمين، إن الوقوف في رابعة يأتي بأجر مضاعف، كما روّجَ متشدّدون دينيّون إن رائحة دماء شهداء رابعة كانت تحمل ريح المسك.! ادعاءات وخلافات وبمثل ما كان الخلاف حول سيرة الشخصية رابعة كان الاختلاف أشدّ حول الميدان، ليصل ذروته، سواء في الأسباب التي ساقها المعارضون، لما حدث بعد 30 يونيو، في الاعتصام الشهير، أو ما وقع بعدها من فضٍ بالقوة، خلّف عشرات القتلى وفق التحقيقات الرسمية، وآلاف حسبما روجت آلة الإعلام الإخوانية. بالضبط تماماً، كما كان الانقسام الذي تعمّق داخل الشعب المصري، بين قلّة إخوانية، رأت فيما حدث انقلاباً على شرعية احتكرت في مجرد كرسي السلطة، وأكثرية لا يُستهان بها، اعتبرته ثورة شعبية، أطاحت بنظام حكم جماعة خططت لذلك 80 عاماً. ضرورة وتغير رئيس الوزراء المصري السابق، د. حازم الببلاوي، سبق أن صرح في حديث خاص لـ(اليوم)، بأن عملية فض الاعتصام المسلح كانت ضرورية، وأنه يتحملها بشجاعة، لأنه لا يسمح بدولة داخل الدولة، ومع ذلك فإنه أسف على الضحايا الذين سقطوا ـ باعتبارهم مصريين ـ وقال: إنه ينبغي البحث عن صيغة مرضية لتعويض ذويهم. الببلاوي ـ الذي أصبح الآن نائباً لمدير صندوق النقد الدولي ـ فنّد دعاوى سلميّة الإخوان، وأكد في ذات المقابلة، أن الجماعة حاولت ليّ ذراع الدولة، وقال: إن استخدام القوة بات خياراً وحيداً أمام مجموعة من المصريين استخدموا القوة والترويع، معترفاً بفشل جميع الوساطات مع قادة الجماعة الذين هربوا وتركوا من اعتبرهم قد غُرر بهم لمصيرهم. على الجانب الآخر، يظل موقف أنصار الإخوان متشدداً، حتى لو أحنوا رؤوسهم مؤقتا للعاصفة التي اقتلعتهم، بعد أن كانوا في القصر وفي السلطة وفي الحياة العامة، أنصار الإخوان الملاحقين بتهم العنف والتفجير والنسف، باتوا أقل قوّة، وغاب عنهم استعراض العضلات بعد تقليم أظافرهم، ونزع أنيابهم بشدّة، حتى بات سقف مطالبهم منخفضاً للغاية، لم تعد عودة مرسي، هي القضية التي لعبوا عليها، ووعدوا أنصارهم كثيراً بأنه بكرة العصر.. مرسي راجع القصر.. اختفت دعواتهم وتحريضاتهم التي قسمت المجتمع المصري، وربما الأسرة الواحدة، بين عبيد للمرشد وبين وما يطلق عليهم الإخوان عبيد البيادة..! الآن.. اختلفت الصورة. بعد عامين من ذكرى فض الاعتصام المسلح، أصبح ما حدث مجرد قصة من الماضي، لن يعود بأي شكل حسب تصريحات السلطة المصرية، ومع ذلك تبقى ذكراه ومكانه غصة لا يتفق عليها أحد.. تمشي في الميدان، تتطلع إلى مكان منصّة التقسيم التي زالت، عابرون يعبرون في زمان عابر، سيارات بأبواقها المزعجة، وربما بعض مدرعات على جانبي الطريق، وبضعة جنود يحاولون تنظيم المرور، تتطلع إلى السماء، البعض يتمتم على مجهول.. هنا كان اعتصام.. هنا كانت بؤرة إرهابية كما يراها كثيرون، أو سلمية كما يعتقد آخرون.. لكن بالتأكيد.. كانت هناك أيضاً دماءٌ مشتركة، من مصريين، ساقهم حظّهم التعس لأن يكونوا جنوداً يتعرّضون للقنص، أو مواطنين، اعتقدوا أنهم يدافعون عن شرعية لم تكن يوماً كافية لحفظ أرواحهم.!