×
محافظة المنطقة الشرقية

المسرح والكتاب قلب الثقافة الإماراتية

صورة الخبر

المتميزون من الناس يدفعهم حماس متوقد لاستئناف العمل أو الدراسة، وهؤلاء لديهم رصيد عال من الفاعلية يحفزهم للنجاح وبناء مستقبل واعد، لكن هناك فريق آخر ليس لديه ترحاب بالعودة إلى الشغل بعد (عطلة) الصيف، تلك التي يعتبرونها فراغا من (أعباء) العمل، والكلمات بين القوسين تعكس مواقفهم غير الإيجابية تجاه العمل أو الدراسة. مجتمعنا بحاجة إلى أولئك المتميزين ذوي الفاعلية ليشاركوا مشاريع التنمية المجتمعية سواء كانوا في قاعات الدرس أو قطاعات العمل، أما الآخرون فهم أحمال زائدة على أكتاف رواحل العاملين، والحديث يقول: (إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) رواه أحمد. ‌ ولا مجال لإصلاح الخلل في حياتنا الشخصية أو العامة مع فقدان الفاعلية، أعني ضعف قدرتنا على الفعل، فوجود أذى في الطريق - مثلا - لن يميطه انتقاد أو امتعاض أو تجاهل، إنما يمكن التخلص منه من خلال يد فاعلة تميط الأذى عن الطريق. أما إطلاق الأقوال والشعارات والبرامج والقرارات دون فعل يترجمها إلى أرض الواقع، فهو يضعف مواقفنا وينتهى بنا إلى عجز فاضح على كافة المستويات. وهو موقف أعلن الإسلام شدة بغضه له: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ .كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} سورة الصف: (2-3). وحذرنا منا نبينا: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل) رواه أحمد. إن تحريك الفاعلية والإنتاجية في شخصية الفرد المسلم هو حجر الزاوية في عملية التغيير الناهض، وهو حصيلة عناصر ثلاثة : (فكر - نية - فعل). ولا شك أن الفعل ليكون إيجابيا لا بد أن يكون نتاج تفكير، والتفكير علامة وجود الإنسان كما قال الفيلسوف الفرنسي والعالم الرياضي والفيزيائي ديكارت Descartes, René: (أنا أفكر.. إذن أنا موجود). لكن لا بد من التقدم خطوة بعد التفكير إلى الفعل ذاته؛ ولذلك أعجبتني مقولة ‌مفكر فرنسي آخر هو مين دي بيران Men De Biran: «أنا أفعل إذن أنا موجود»، ومعنى كلامه في ذلك أن المرء لا يوجد حقا إلا حين يجعل من «فعله» برهانا على وجوده. والقرآن ينظر إلى الإنسان على أنه عمل صالح أو طالح، جاء ذلك في قصة نوح عليه السلام بعد هلاك ولده في الطوفان: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (46) سورة هود. الانتقال من الفكر إلى الفعل يتم عبر (النية) كما جاء في الحديث المعروف: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى). فالنية هي مشروع الفعل وعلى قدر إخلاصها وصدقها تتحرك في اتجاه الفعل ذاته. إن مستوى إنجاز الأمة العلمي أو الاقتصادي أو الأمني هو نتاج مجموع الجهود التي يقدمها كل فرد في مجاله فيما يقدمه من (فعل) ولو كان يسيرا، فهو يضاف إلى جهود الملايين ليحقق الإنجاز المجتمعي المطلوب. ولنحذر من اعتقاد أن في الساحة من يكفي عن دورك، وأن غياب فعلك لن يؤثر في مجتمعك. هذا يذكرنا بقصة قرية أصابتها مجاعة فطلب الوالي من أهل القرية أن يضع كل فرد كوباً من اللبن في وعاء كبير أعده لمواجهة المجاعة، لكن كل واحد من الرعية قال في نفسه: إن عدم وضعي لكوبي من اللبن لن يؤثر على كمية اللبن الكبيرة التي سيضعها أهل القرية، وكل منهم فكر بالطريقة نفسها، والنتيجة فراغ الوعاء من اللبن واستفحال خطر المجاعة. وانظر كيف امتدح النبي «صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم» (الأشعَرِيين) وهم قبيلة يمنية بتكافلهم جميعا عند الشدائد فقال: «إِنَّ الأشعَرِيين إِذَا أَرملُوا (فَرَغَ طعامهم) في الْغَزْوِ، أَو قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِم بالمَدِينَةِ، جَمَعُوا ما كَانَ عِندَهُم في ثَوبٍ وَاحدٍ، ثُمَّ اقتَسَمُوهُ بَيْنَهُم في إِنَاءٍ وَاحِدٍ بالسَّويَّةِ فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم» متفقٌ عليه. وقد علمنا نبينا «صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم» أن نستعيذ بالله تعالى صباح مساء من مثبطات الفعل الثمانية في قوله: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال متفق عليه. فمرحى بالعودة إلى العمل، {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة الحـج: (77).