ما أكثر الأخبار العاجلة التي ترد في أسفل الشاشات الفضائية، وهي على الأغلب غير سارة، وتتراوح بين تفجير بسيارة مفخخة، وقبر جماعي تم العثور عليه، وهناك خبر آجل لم تعِدنا به أيّة وسيلة إعلام، كما أنه لا نصيب له في أسفل الشاشة، لسبب واحد فقط هو أنه غير عاجل، فهل من حق ملايين العرب على امتداد خطوط الطول والعرض لهذه التضاريس أن يحلموا بخبر ينقذهم من الكوابيس التي تحرمهم من النوم باستغراق، ومن حالات عُسر الهضم، سواء كانت متعلقة بالعقل أو الأحشاء؟ لكن ما هو هذا الخبر الموعود الذي يشبه جملة معترضة في مسلسل الأخبار المثيرة للأسى؟ هل هو معجزة سياسية في زمن لا معجزات فيه تنهي الخلافات العربية البينية، أم قمة استثنائية ببيان افتتاحي فقط وبلا توصيات أو بيان ختامي؟ الأمر متروك لما تبقى لنا من خيال سياسي، فكل إنسان يحلم بما ينقصه، ويثرثر أيضاً في ما يفتقده، لهذا قال برنارد شو بسخريته المعروفة لشخص كان يفرط في الحديث عن الصدق إنه كاذب، فالإنسان يتنفس الصدق إذا كان منسجماً مع نفسه، مثلما يتنفس الكذب إذا كان مصاباً بالشيزوفرينيا. ونحن مضطرون لتخيل أخبار آجلة وغير عاجلة على الإطلاق تخرج عن كل هذا السياق الكارثي الذي نعيشه منذ زمن ولا تلوح له في الأفق نهاية. يبدو أن التصنيف الزمني للأخبار بين عاجلة وآجلة يخضع لمفاهيم مقلوبة في عصر عَلت فيه عيون الناس على حواجبهم، لأنهم يمشون على رؤوسهم! وعلى سبيل المثال كانت فلسطين ذات يوم خبراً آجلاً لأنها موعودة بالتحرير وإنقاذ ما تبقى منها خارج الاستيطان و"الأسرلة" والتهويد، لكنها تحولت بفضل هذه المعادلات المقلوبة إلى خبر عاجل سرعان ما يختفي من الشاشات تاركاً المجال لأخبار عاجلة أخرى. والمشاهد العربي قد تدهشه أحياناً النشرة الجوية لكن الأخبار العاجلة العربية أصبحت مألوفة لديه، وما يختلف هو الرقم فقط أما القتل والتدمير والتهجير فهي المشترك القومي واليومي في زمن يليق به الهجاء ولا شيء آخر.