فشل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في استدراج نظيره السعودي عادل الجبير إلى موقف موسكو من الأزمة السورية، وهدفها الكامن ضمنيا في حماية النظام وهياكله البالية ورأسه بشّار الاسد، فظهرت الخلافات علانية وواضحة في مؤتمرهما الصحافي بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وهو خلاف محوري يؤثر على جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف واسع لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» ويظهر مدى استقلالية القرار السياسي للمملكة بغض النظر عن مسار التفاهمات الدولية والتوجه الضمني لكل من موسكو وواشنطن الذي بدأت مؤشراته تظهر في تصريحات قادة ومسؤولي البلدين. فرفض الوزير الجبير مشاركة الرياض في حلف مع النظام السوري لمحاربة «داعش»، وتمسكه بضرورة رحيل الأسد، إن كان بطرق ديبلوماسية أو عسكرية, يؤشر الى ثبات المملكة على موقفها من النظام السوري وسيادة واستقلالية قرارها السياسي النابع من طبيعة فهمها للصراع القائم في سورية وليس من مصالح آنية وظرفية عابرة. ورغم دبلوماسيته المعهودة، فوجئ لافروف بصراحة وحزم موقف نظيره السعودي, وهو يدلي بدلوه حول موقف بلاده الرافض لأية مساومة بشأن مصير من تلوثت أيديهم بدماء السوريين، وعلى رأسهم بشّار الاسد، فسارع إلى التحذير من الرهان على إزاحة الأسد بالقوة، مؤكداً أن البديل سيكون سيطرة التنظيم التكفيري على السلطة في سوريا وغيرها من دول المنطقة. فرّد الوزير الجبيرمؤكدا في المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف عقب محادثاتهما في موسكو أن المملكة لن تتعاون مع النظام السوري. وقال «إن موقف المملكة لم يتغير، وهو مبني على حل سلمي بموجب إعلان جنيف1، وأن لا دور للأسد في مستقبل سوريا»، مشددا على «أهمية الحفاظ على المؤسسات الحكومية والعسكرية للحفاظ على سوريا ما بعد الأسد». وكذلك أعلن الوزير الجبير أن الحديث مع نظيره الوزير لافروف تركز أيضاً على «أهمية توحيد صف المعارضة السورية لتتطلع برؤية واحدة لمستقبل سوريا والبدء بالعملية السلمية بموجب جنيف1». وردا على سؤال حول قيام تحالف ضد الإرهاب يشمل المملكة وتركيا والعراق وسوريا قال الوزير الجبير «هذا الموضوع لم يطرح والرئيس بوتين يطالب بمواجهة الإرهاب ونحن ندعمه في ذلك، والتحالف ضد الإرهاب قائم ضد داعش والمملكة جزء منه» في إشارة إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد «داعش» منذ آب /اغسطس العام 2014. وقال «في ما يتعلق بتحالف تشارك فيه المملكة إلى جانب الحكومة السورية فهو مستبعد، وليس جزءا من خططنا». وأضاف «أي توقعات أو تصريحات أو تعليقات في وسائل الإعلام، أو من قبل مصادر مجهولة عن تغير في موقف المملكة تجاه سوريا لا أساس لها، وغير صحيحة». وعندما سمع لافروف هذا الموقف المتناهي في صراحته من نظيره السعودي الواقف على بعد خطوات منه أيقن انه فشل في تسويق فكرة رئيسه بوتين التي أطلقها نهاية حزيران\يونيو الماضي، حول إنشاء تحالف واسع، يضم خصوصا المملكة العربية السعودية وسوريا وتركيا والعراق، لمكافحة «داعش» بشكل أفضل. فما كان امام الوزير لافروف غير تدارك الفشل العلني والقول ان «الأمر لا يتعلق بتشكيل تحالف تقليدي بقائد أعلى وقوات مسلحة تطيعه، بل بتنسيق تحركات الذين يحاربون الإرهابيين أصلاً، أي الجيشين السوري والعراقي والأكراد وفصائل المعارضة السورية المدعومة من الخارج، ليدركوا مهمتهم الأولى وهي مكافحة التهديد الإرهابي ويضعوا جانباً تصفية حساباتهم إلى ما بعد التصدي لخطر الإرهاب». وفي دفاعه الضعيف عن رأس النظام السوري أكد الوزير لافروف انه خلافاً لتنظيم داعش «لا يهدد بشار الأسد أي بلد مجاور»داعيا»الجميع إلى المقارنة بين حجم هذه التهديدات». وقال «يمكننا الحديث عن القضايا داخل سوريا، لكن الأسد لا يهدد أي دولة من دول الجوار، في الوقت الذي يهدد فيه داعش، ليس سوريا فحسب، بل والعراق والسعودية نفسها، وهو يؤكد نيته هذه علناً، وينشر خرائط لدولة خلافة تمتد من إسبانيا إلى باكستان». وأعرب عن ثقته بأن فصائل المعارضة السورية ترفض بدورها الأيديولوجية والممارسات التي يفرضها الإرهابيون. وقال «يجب توحيد جميع هذه الأطراف والاستفادة من النفوذ الذي يتمتع به اللاعبون الخارجيون على مختلف التشكيلات المسلحة على الأرض، من أجل جعل هذا التحالف أكثر فعالية». وأعلن لافروف أن موسكو ستجري محادثات منفصلة مع ممثلي المعارضة السورية ومن بينها «الائتلاف الوطني» و «الاتحاد الديموقراطي الكردي» السوري في الأيام المقبلة. لكن الوزيرالجبير عاد وأكد رفض التعاون مع الرئيس السوري. وقال «نحن نعتقد أن بشار الأسد جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل، ونعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية في نمو داعش في سوريا هو بشار الأسد، لأنه في السنوات الأولى لم يوجه سلاحه ضد داعش بل ضد شعبه والمعارضة السورية المعتدلة، ما جعل داعش يسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا». وأضاف «نعتقد ونؤمن أن نظام بشار الأسد وبشار الأسد نفسه انتهى. إما يرحل بعملية سياسية أو ينتهي بسبب العمليات العسكرية. ونحن نأمل أن يستطيع المجتمع الدولي أن يجد وسيلة لإخراج بشار الأسد عبر عملية سياسية تقلص سفك الدماء والدمار في سوريا، وتحافظ على المؤسسات الحكومية والعسكرية فيها». من جهته، أعاد لافروف التأكيد على أن الشعب السوري وحده يمكنه تقرير مصير الأسد. وقال «القرار حول كافة قضايا التسوية، ومن بينها ما يتعلق بإجراءات المرحلة الانتقالية والإصلاحات السياسية، يجب أن يتخذه السوريون أنفسهم، بما يتناسب مع اتفاق جنيف». وأقرّ بمرارة بأن «الاختلافات مستمرة» بين الدولتين، معترفا أن «مصير الرئيس الأسد جزء من هذه الخلافات». وحذر لافروف من أن إسقاط النظام السوري عسكرياً سيؤدي إلى استيلاء «داعش» على السلطة. وقال «لا أرى أنه من اللائق أن يعوّل أحد الأطراف الفاعلة المشاركة في الأحداث حول الأزمة السورية بصورة أو بأخرى، على حل قضية (الأسد) بطريقة عسكرية، وذلك لأن السبيل الوحيد لتحقيق هذا الحل العسكري يكمن في استيلاء داعش والإرهابيين الآخرين على السلطة. وأنا لا أظن أن هناك من يريد ذلك». ورد الجبير بالقول «برغم أن هناك بعض الاختلاف في وجهات النظر بما يتعلق بالشأن السوري، هناك توافق حول توحيد صف المعارضة السورية لاستخدامها في العملية السياسية»وذلك في اشارة واضحة الى ان المعارضة السورية الوطنية هي المؤهلة لتولي السلطة بدلا من الاسد وليس تنظيم «داعش». وناقش الوزيران أيضا احتمال شراء المملكة أسلحة روسية في إطار الزيارة التي يعتزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز القيام بها إلى موسكو. وقال الوزير الجبير «المملكة حريصة على أن تكثف علاقاتها مع روسيا في كل المجالات بما في ذلك المجال العسكري، هناك مباحثات بين البلدين والمسؤولين في القطاع العسكري في الحكومتين حيال التعاون العسكري وكيفية تكثيفه. وهناك عدد من الأنظمة الروسية التي تنظر إليها المملكة الآن وتبحثها مع الجانب الروسي بما في ذلك نظام اسكندر، بالإضافة إلى أنظمة أخرى». وأكد حرص السعودية على تعزيز وتكثيف علاقاتها مع روسيا لتصبح «علاقات مميزة تخدم الشعبين والبلدين» وهنا ايضا أظهر الوزير الجبير استقلالية قرار المملكة واعتمادها على ارادتها السياسية في تنويع مصادر تسليحها وفقا لحاجات قواتها المسلحة، وليس الاعتماد فقط على علاقاتها الوثيقة في هذا المجال مع الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية الاخرى. وأعلن الوزير الجبير أنه «جرى خلال اللقاء بحث الوضع في اليمن وأهمية التطبيق غير المشروط للقرار رقم 2216 لإخراج اليمن من أزمته، وتكثيف الجهود لتوفير المساعدات الإنسانية». وبشأن الوضع في العراق، أكد أنه «جرى التطرق لهذا الموضوع، وأهمية تطبيق الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها الصيف الماضي لضمان حقوق جميع الطوائف، ولسحب البساط من تنظيم داعش الإرهابي». وعلى الرغم من استمرار الخلاف الروسي السعودي حول سبل تسوية الأزمة السورية ومصير بشّار الاسد فإن من الواضح ان الحوار بين موسكو والرياض بشأن المسألة السورية قد فتح على مصراعيه وعلى نحو مباشر وليس بواسطة وسطاء، وهنا يلوح بصيص ضوء في نهاية النفق لاحتمال التفاهم على اعتماد بيان جنيف واحد كأساس للخوض في إعادة إحياء الحوار السوري - السوري تحت عباءة أممية تتشارك فيها موسكو وواشنطن والرياض. ومما لا شك فيه ان هذا الحراك الدبلوماسي فرضته ظروف إقليمية ودولية تتجه نحو المزيد من التعقيد، ورغبة في حل طال انتظاره، في وقت باتت فيه الأزمة السورية تغذي آفات على رأسها الإرهاب والتطرف اللذين طالت نيرانهما القريب والبعيد. فبعد مرور نحو أسبوع على اتصالات روسية أميركية سعودية قطرية في الدوحة جاءت زيارة وزير خارجية المملكة إلى موسكو لتكشف عن احتمال التوصل الى توافق روسي سعودي حول تسوية الأزمة السورية على أساس بيان جنيف واحد، رغم وجود خلاف حول مصير الأسد.