كعادتنا القديمة جدا، تهب المؤسسات والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مع الحالة المعلنة وكأنها الوحيدة!، ويصرح المسؤول بتشكيل لجنة التحقيق وتحفل قضية واحدة بالاهتمام وكأنها حالة نادرة.هذا ما حدث مع قضية ادعاء متقدمة لوظيفة في مدينة الملك فهد الطبية بأنها تعرضت لتحرش بطلب بشع ممن في يده مصير قبولها ــ على حد قولها، وقد بادر معالي وزير الصحة المهندس خالد الفالح، عبر حسابه الموثق في تويتر، بإعلان تشكيل لجنة للتثبت من صحة الادعاء ومعاقبة من تثبت إدانته.تشكيل اللجنة والتحقيق والتثبت ومعاقبة المتهم إن ثبتت إدانته، أو معاقبة المدعية إن كذبت وكان من الصادقين، جميعها تفاعلات جيدة ومطلوبة وعادلة.الظاهرة القديمة السلبية التي أقصدها هي فورة قارورة المشروب الغازي مع كل حادثة، وكأنها نادرة وهي ليست كذلك، وعدم معالجة أصل المشكلة التي تحدث وتتكرر، سواء طفت على السطح وتفاعل معها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أم لا.التحرش في مواقع العمل المختلط واقع مرير موجود وشائع عندنا وعند غيرنا من دول العالم، والفارق الكبير جدا هو في ردة فعل ضحية التحرش نفسها، ففي مجتمعنا المحافظ خصوصية (البعض عندنا لا يحبون أدنى ذكر للخصوصية، وهي واقع نفخر به دينيا واجتماعيا وتمسكا بعادات وتقاليد محمودة غصبا عن كل من يحاول تجريدنا من خصوصيتنا!)، وهذه الخصوصية تكمن في أن غالبية المتحرش بهن لا يشتكين ويرغبن في الستر ودفن القضية في مهدها ومغادرة المكان دون ضجة، ولذا فإنني اعتبر المطالبة بقانون عقوبات للتحرش مجرد إثارة؛ لأن العقوبات الشرعية العادلة موجودة في الشرع الحكيم الذي نحكم به، وما نحن بحاجته فعلا هو منع أسباب التحرش والوقاية منه بعدم وضع حاجة الموظفة أو المتقدمة لدى رجل في بيئة عمل تقويه عليها، فيلجأ لاستغلالها واستغلال حيائها ورغبتها في الاسترزاق بستر.عملت في المجال الصحي المختلط أكثر من ثلاثين سنة رأيت فيها معاناة الموظفة المستورة مع إيكال أمر ترقيتها وانتدابها وتعويضاتها وحل مشاكلها الإدارية في يد شباب في الشؤون الإدارية قد يكون بينهم شاب مريض (وما أكثرهم)، فيبدأ بطلب (جوالها) لتبشيرها بالنتائج، ثم يطلب (تجوالها) في بحر شهواته، فتترك حقها وتهرب، ولذا اقترحت على أكثر من وزير ومدير قطاع إنشاء إدارة تقوم عليها امرأة ويعمل بها نساء، تتولى متابعة حقوق الموظفة لدى الرجال في مقر العمل الذي يستدعي اختلاطا، وتكفيها شر استجداء الرجال والخضوع في القول، لكن لم ينجح أحد!.