لم يكن حجم الدول يقاس يوماً بمقدار المساحة التي تشغلها على الأرض، لكنه كان ولايزال يقاس بمقدار المواقف التي تتخذها على مستوى العالم لا سيما في القضايا الملحّة والحاضرة والمؤرقة للوجدان العالمي فيما يتعلق بأمن المجتمعات أو تنمية الموارد البشرية أو الحفاظ على البيئة العالمية ومواردها الرئيسة من الاستنزاف. من هنا حجزت دولة الإمارات مكانتها المهمة بين دول العالم متصدرة العمل الدولي في كثير من القضايا التنموية والاجتماعية ومشاركة بقوة في الملفات الأمنية الحساسة التي تهدد أمن واستقرار الشعوب وعلى رأسها مكافحة التطرف والإرهاب الدوليين. ويشهد على هذه المكانة الأثيرة بلا شك التجاوب العالمي مع النداءات التي تطلقها دولة الإمارات على صعيد التنمية والبيئة ومبادراتها الخلاقة التي أصبحت منارة عالمية يقاس عليها تقدم الشعوب ويضرب بها المثل في الرغبة الصادقة لدى الحكومات في تحقيق سعادة شعوبها وهو ما حققته دولة الإمارات بقيادتها الرشيدة من مؤشرات حازت الإعجاب العالمي. فليس من المستغرب أن يبرز الحرص الإماراتي على تنمية الشعوب والنهوض بها وهي التي تتصدر ترتيب الدول الأكثر تقديماً للمنح والمساعدات التنموية في العالم وفقاً لتصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بل ليس من المستبعد أن تصبح الدولة قدوة عالمية في التنمية وهي التي استطاعت إقناع الأمم المتحدة من خلال قيادتها المجموعة العربية بإدراج عدد من الأهداف الجديدة إلى قائمة الأهداف الإنمائية للألفية تتعلق بالمساواة بين الجنسين والطاقة المستدامة، وساعد قوة الطرح الإماراتي بلا شك أنها تتصدر التصنيف العالمي في المساواة بين الذكور والإناث في مجال التعليم ضمن المجالات الأربعة التي يعتمد عليها مؤشر الفجوة بين الجنسين الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي كما أنها تقف على رأس الدول الساعية إلى التحول إلى الطاقة المتجددة ولا أدل على ذلك من استضافتها المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة آيرينا. هذه المعلومات بات يعرفها القاصي والداني عن دولة الإمارات وهي من الظهور بحيث أصبحت مضرب المثل العالمي في نهوض دولة فتية خلال أربعة عقود فقط من رمال الصحراء المنسية إلى صدارة العالم بيئياً وتنموياً وإنسانياً، ومن العزلة الدولية إلى الحضور العالمي في شتى الملفات التي تشغل الضمير الإنساني وتحجز مكانها في التخطيط لمستقبل الأجيال على مستوى الكرة الأرضية قاطبة. أبناء الإمارات وعلى ضوء ذلك مطالبون اليوم أكثر من أي وقت آخر بترسيخ هذه المكانة والذود عنها، لأنها رصيد جهود مخلصة متتابعة متساندة، ومنوط بهم اليوم أكثر مما مضى تقديم المزيد من أطروحات التنمية الفاعلة محلياً وعالمياً لتبقى دولة الإمارات في مقام الصدارة الذي تبوأته، ولا شك أن أسبوع الابتكار الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ودعا للمشاركة فيه الجمهور وكافة الجهات الحكومية والخاصة والأكاديمية هو رسالة لأبناء الإمارات بأن دولتهم تقوم على الإبداع ومكانتها لا تزداد إلا بالابتكار، وحضورها العالمي يتطلب منها تقديم المزيد من الأفكار في شتى المجالات وكما قال سموه عند إطلاق المبادرة فإن الابتكار اليوم ليس خياراً بل ضرورة وليس ثقافة عامة بل أسلوب عمل، والحكومات والشركات التي لا تجدد ولا تبتكر تفقد تنافسيتها وتحكم على نفسها بالتراجع.. ضاعفنا استثماراتنا في الابتكار وفي تجهيز وتدريب وتعليم كوادر وطنية متخصصة لأن مواكبة العالم من حولنا تتطلب كوادر مبتكرة وبيئة داعمة للابتكار. ثقة العالم في دولتنا العزيزة في محلها بإذن الله تعالى، لأننا نثق بأنفسنا، ونثق برغبتنا الصادقة بتقديم الخير لجميع الشعوب، وفي فلسفتنا التي تربينا عليها قيادة وشعباً أن مساعدة الآخرين واجب حتمي، والانحياز إلى الإنسان هو الانحياز إلى الركن القوي في معادلة النهوض الحضاري وتقدم الدول والشعوب.